: آخر تحديث

هل يستدرك الشرع خطأ الأسد في الجنوب السوري؟

4
3
3

لا يمكن للأزمة الواقعة جنوب سوريا وتحديداً بين محافظة السويداء والعاصمة دمشق، أن تُحل وفق ما يريده سواء الناشطون المؤيدون للحكم السوري الجديد، أو المعارضون له، على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وجاءت قضية تعرض مجموعة مسلحة لمحافظ السويداء، مصطفى بكور ومطالبتها بإطلاق سراح شابين تعتقلهما دمشق، لتصب الزيت على النار أكثر في المحافظة التي أصبحت الدوائر الدولية ومعها وسائل الإعلام تركز عليها بشكل غير مسبوق لم يشهده تاريخها من قبل.

على مواقع التواصل الاجتماعي، أطلق الناشطون العنان لمخيلتهم، بعض منهم يريد رؤية الأرتال العسكرية تدخل المحافظة تماماً كما دخلت إلى منطقة الساحل السوري، في الأسبوع الأول من شهر آذار (مارس) الماضي، وآخرون يذهبون أبعد من ذلك مطالبين بترحيل سكان المحافظة، أما الفئة التي تقدم نفسها على أنها أكاديمية حريصة على بناء سوريا المستقبل، فتطالب بتولي أبو عمشة أو حكيم الديري مسؤولية استعادة السويداء إلى حضن الوطن.

ولمن لا يعرف هوية الشخصين اللذين أصبحا مطلباً من مؤيدي السلطة لاستلام زمام الأمور في السويداء، فأولهما محمد الجاسم الذي يعرف باسم أبو عمشة قائد فرقة سليمان شاه المحسوبة على تركيا، أدرجته وزارة الخزانة الأميركية، على لوائح العقوبات بعد اتهامات وُجّهت له تتعلق "بسيطرة فصيله على أملاك المدنيين من أراضٍ ومنازل، وتعرض سكان المناطق التي يتواجد فيها مقاتلوه للاختطاف والابتزاز، واستهدف سكان عفرين الأكراد، وكثير منهم يتعرضون للمضايقات والاختطاف وانتهاكات أخرى إلى أن يضطروا إلى هجر منازلهم، أو دفع فدية كبيرة مقابل إعادة ممتلكاتهم أو أفراد عائلاتهم"، وأيضاً "لتوجيه أعضاء اللواء لتهجير السكان الأكراد قسراً والاستيلاء على ممتلكاتهم، وتوفير منازل مهجورة للسوريين من خارج المنطقة الذين غالباً ما يرتبطون بالمقاتلين في اللواء، واختطاف السكان المحليين، والمطالبة بفدية مقابل الإفراج عنهم ومصادرة ممتلكاتهم كجزء من جهد منظم لتعظيم إيرادات اللواء، ومن المحتمل أن يُدر عشرات الملايين من الدولارات سنوياً".

الاسم الثاني، هو ضياء الدين العمر المعروف باسم حكيم الديري، المسؤول الأمني البارز في هيئة تحرير الشام، والذي لا يزال يرتدي القناع بالرغم من أوامر حكومة دمشق بضرورة نزع اللثام عن الوجه، وانتشر مؤخراً خبر تعيينه كمسؤول أمني لمحافظة اللاذقية.

مطالب جمهور السلطة تعكس الرغبة في تهديد وترهيب سكان محافظة السويداء، باعتبار أن لأبي عمشة باعاً طويلاً في الترويع، فاسمه ارتبط كثيراً بالأحداث التي وقعت في الساحل مؤخراً، أما الديري فيفاخر أنصاره بأنه عديم الرحمة.

على المقلب الآخر، يظهر بين الحين والآخر أفراد معارضون للسلطة السورية الجديدة، بفيديوهات تطالب بالانفصال، وهؤلاء يعتقدون أن الأمم المتحدة، والدول الكبرى ستبحث في مطلبهم بمجرد تمكنهم من رفع هذه الفيديوهات على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، علماً بأن رأي قيادات المحافظة وعلى رأسهم رئيسها الروحي، الشيخ حكمت الهجري واضح لجهة اعتبار السويداء جزءاً لا يتجزأ من وحدة الأراضي السورية.

ومع التغيرات التي حصلت مؤخراً، ولقاء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب بالرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، فإنَّ آخر شيء يريده الأخير هو صمّ الآذان عمّا يريده بعض من أنصاره غير المدركين بما يحدث في اللقاءات غير العلنية، فالعيون على دمشق، والشرع يدرك أن ضمانات ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان هي من أوصلت إلى إعلان ترامب نيته برفع العقوبات، ولقائه به والثناء عليه، وبالتالي حجز الملف السوري مكاناً على الطاولة الأميركية، وما بعد أيار (مايو) ليس كما قبله، فيوم وقعت الواقعة في الساحل كانت الإدارة الأميركية قد تسلمت للتو مسؤولياتها، ولم تكن قد وضعت رؤية حول التعاطي مع سوريا الجديدة.

كيف يمكن حل الأزمة التي بدأت في المحافظة؟

يعتقد الكثير من المتابعين للحرب السورية منذ بدايتها، أن بشار الأسد كان بإمكانه وبسهولة نزع فتيل الأزمة في محافظة درعا وامتصاص الغضب الشعبي وحالة الاحتقان بعد تعرض رجال استخباراته للأطفال ثم إهانة عوائلهم، وذلك عبر القيام بزيارة إلى المحافظة والتضامن معهم ومحاسبة المرتكبين عوضاً عن التلهي بأخبار المؤامرات وتوجيه الاتهامات.

نعم يمكن للرئيس السوري الجديد وتحت ضغط أصحاب الرؤوس الحامية، توجيه حملة عسكرية في محاولة لإخضاع المحافظة، ولكن السؤال الذي يجب أن يُطرح، ماذا بعد؟ فهل تتحمل السلطة الجديدة ما يمكن أن يحصل، وكيف ستكون ردة الفعل الدولية، وهو يعلم أكثر من غيره أنه لولا الجهد السعودي الرهيب الذي بُذل من أجل الضغط لرفع العقوبات، لم يكن ترامب ليتحدث عن الموضوع في الأساس، وأن الجميع يوجه عدساته منتظراً أن تُقرن الأقوال بالأفعال على الأرض.

اليوم يمكن للرئيس الحالي، أحمد الشرع التعلم من أخطاء ساكن القصر السابق، مع العلم بأن الأجواء الحالية مع السويداء ليست بالحدة التي كانت قائمة بين دمشق ودرعا في آذار (مارس) ونيسان (أبريل) 2011، فلا جيوش النظام قد جُرّدت لفرض الأمن، ولا أطفالاً قُتلوا، كما أنَّ الأسد كثيراً ما نشر إعلامه في تلك الفترة عن استقباله لشخصيات مؤيدة من درعا قبل أن يتبين أن هذه الشخصيات غير وازنة، ولا تمتلك أي تأثير في الشارع. وبالتالي التعويل مجدداً على شخصيات اعتبارية وإعطاؤها أحجاماً تفوق قدرتها ليس بالحل الناجح، وبالتالي فإن المطلوب فتح حوار جدي يكون هو رأسه مع الشيخ حكمت الهجري، ينطلق من الاتفاق الحالي الذي جرى بتوقيعه مطلع الشهر الحالي، لتثبيته ويجري بضمانات عربية دولية، سعودية أميركية على وجه التحديد، وفي النهاية يتم تأكيد المؤكد بأن السويداء باقية في سوريا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.