: آخر تحديث

‏سوريا كنقطة ارتكاز بري.. بين الجغرافيا والتاريخ

1
0
1

في عالمٍ يُعاد فيه رسم التوازنات الكبرى بين أميركا والصين، وبين الكتلة الأوراسية ضمن تصنيف قوى البر وقوى البحر، تبدو سوريا وكأنها مساحة انتقال بين نماذج متضادة؛ بين الميناء والطريق، بين البر والبحر، أي بين الشرق والغرب. ومن هذا المنظور، فإن نجاح سوريا في استعادة دورها اللوجستي هو في جوهره نجاح لنموذج بديل من التكامل الجيوسياسي.

في قلب تحولات التجارة العالمية من الممرات البحرية إلى البرية (كما أتوقع)، تعود سوريا إلى الواجهة بوصفها نقطة ارتكاز لوجستية حيوية في البنية الناشئة لطريق التجارة البري العمودي. لم يكن غياب سوريا عن المشهد في العقود الماضية إلا انعكاساً لحالة من التهميش الجيوسياسي المرتبط بتحولات النظام الدولي بعد الحرب الباردة في ظل نظام "الأسدين" وعدم إجادة توجيه البوصلة الجيوسياسية لتعظيم دور سوريا، لكن الواقع اليوم يفرض النظر إلى سوريا من منطق الجغرافيا أكثر من منطق الصراع. فسوريا تقع عند تقاطع محاور استراتيجية من شبه الجزيرة العربية، ودولة المركز هنا هي المملكة العربية السعودية، نحو الأردن ثم سوريا كمركز لوجستي نحو تركيا وأوروبا، ومن آسيا الوسطى نحو العراق ومن ثم البحر المتوسط. هذا الموقع ليس مجرد تقاطع طرق، بل هو “نقطة عبور حضاري” عبر التاريخ، حيث تتكامل الكتل الجغرافية لا لتتصادم، ومع بدء تآكل سيطرة الممرات البحرية أو انخفاض فاعليتها، تعود قيمة الممرات البرية الآمنة لتتصدر المعادلة.

لا شك أن ما طرأ على المشهد في سوريا، سواء طبيعة النظام الأسدي المنغلق وفق نظام أحادي التفكير، إضافة إلى طبيعة الصراع الداخلي الرافض له، أنتج جميعها حالة من العزلة الجيوسياسية، لكن هذا الفراغ الاستراتيجي، وفق طبيعة المتغير الجديد في سوريا بعد الإطاحة بنظام الأسد، خلق أيضاً إمكانية لإعادة البناء من منظور جديد. فالدول الطامحة لإنشاء ممرات تجارية برية بديلة أكثر أماناً وفاعلية تحتاج إلى سوريا كرابط استراتيجي يمكنه تسهيل الحركة وتحقيق التكامل بين الشرق والغرب.

إذا كان الحضور البحري، وبالذات وفق نظرية "سبيكمان"، شرطاً للهيمنة في القرن العشرين، فإن السيطرة على البر قد تصبح أداة للتموضع الاستراتيجي في عالم متعدد الأقطاب في القرن الحادي والعشرين. سوريا هنا ستصبح رمزاً للتحول من منطق الإقصاء إلى منطق الشراكة، ومن الجغرافيا كساحة صراع إلى الجغرافيا كآلية وصل وتكامل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.