كَثُرَت التعليقات حول اللقاء الذي تم تداول صورته في الإعلام قبل أيام، والذي جَمَع رَئيس الوزراء العراقي محمد شِياع السوداني والرَئيس السوري أحمد الشَرع بحُضور الأمير تميم بن حَمَد في قطر. كان أغلبها هُجومياً ولا مَوضوعياً، لأنها إستَنَدَت الى العاطفة بدلاً مِن العَقل والمَنطِق.
اللقاء الذي لم يَكُن مُفاجئاً، على الأقل لهُما، خُصوصاً أنَّ سوريا وقطَر أعلَنَتا عَنه وعَن تفاصيله رَسمياً، أُريد به غالباً ضَرب عَصفورين بحَجَر. فالجِهة الراعِية للقاء، وهي قطَر ومِن ورائِها قوى دولية وإقليمية، أرادَت تصفية الأجواء بَين الرَجُلين، والتي تُعَكِّرها البروباغندا الخارجة عَن سَيطرتِهِما التي يَتَبَنّاها إعلام الدَولتين ضِد بَعضِها البَعض، خُصوصاً الإعلام العراقي الذي تُسيطر عليه مليشيات الحَشد الإيرانية. أما السوداني، فيَبدو أنه قد أرادَه بالون اختبار وجَس نَبض لحُلفائه مِن زُعَماء المليشيات وقطعانها في العراق، وتنفيساً "لجَعيرهم" الذي لم يَتوَقّف مُنذ حُدوث التغيير ووصول الشَرع للحُكم في سوريا بحُجّة أنه كان داعشياً! كأن مَن يَنتقدونه هُم نوري السعيد أو جعفر العسكري أو تشرشل أو ديغول، وليسَ حَفنة أراذِل أياديهم مُلَطّخة بدِماء أبناء جلدَتِهم، ويَجلسون في البَرلمان بفَضل انتِخاب قطعانهم المُجتَمَعية لهُم.
فمَن يَنتقِد الشَرع اما أن يَكون أفضَل مِنه أو فليَصمُت. لكن أن يَكون أسوَأ مِنه ويُزايد عليه بخِطاب السَلام والإنسانية فلا. فَمَن يُهاجمونه ويُجَرّمونه هُم من المُجرمين مَع سَبق الإصرار، أياديهم مُلطّخة بدِماء العراقيين. إذا كانوا يُعايرونَه بالسِجن فقد كانوا شُركاءه في زنازين الأميركان بتُهمة الإرهاب. وإن كانوا يَتّهِمونه بالقتل والتَهجير، فهو نَفس ما فَعَلوه هُم في مُدُن الغربية بحُجة تحريرها مِن داعِش، ولا تزال تَداعِياته حَتى اللحظة مُتمَثِّلة بمَلايين المُهَجّرين وآلاف المُغَيّبين في سُجون سِرِّية. وإذا كان الشَرع قد انشَق عَن تنظيم داعِش الإرهابي وتَبَرّأ مِنه، فَهُم ما زالوا يَفخَرون بأنِهِم مُرتَزَقة في حَشد إيران الإرهابي، وبعَمالتِهِم لوَليّها الفقيه ومَشروعِها التوَسّعي. وإذا كان الشَرع قد أبدى رَغبته في فتح صَفحة جديدة مَع مُحيطَه الإقليمي وَأوّله العراق، رَغم التبايُنات السياسية والإختِلافات المَذهَبية، فَهُم لا زالوا يُقَلِّبون دَفاتِر عَتيقة ويَجتَرّون خِطاب ثارات طائفية عُمرَها 1400 سنة، ويُعادون مُحيطهم الإقليمي لمُجَرّد إختِلافه عَنهُم طائفياً، بَل ويَبتَدِعون القصص لتَبرير عَدائَهُم له، وإقناع قِطعانَهم المُجتمَعية به. لذا هُم آخِر مَن يَتَحَدّث عَن التَعايُش والسَلام وتحقيق العَدالة!
إن التغيير في سوريا باتَ أمراً واقِعاً أقَرّت به أغلب دول العالم، وهو جُزء مِن خَريطة سياسية جَديدة في المَنطَقة، تُمَثِّل سوريا إحدى قُطَع أحجِيَتَها الكثيرة، وأي سياسي بمَوقع المَسؤولية كالسوداني، لديه ذَرّة مِن الحِكمة، عليه التعاطي مَع هذا الواقع، وإيجاد موقِع آمِن لبِلادِه في هذه الخَريطة. لذا لم يَرغَب بالإنتظار لحين انعِقاد القِمة العَرَبية في17 (أيار) مايو، التي دُعيَ إليها الشَرع بشَكل رَسمي، ليَأتي الأخير وَسط اللغط الحاصِل مُنذ أشهُر، ثم يَتَفاجَأ برُدود أفعال مُشَوّهة مِن مليشيات حَشد إيران وقِطعانه ضِمن أجواء حَدَث دولي كالقِمّة، بل أراد لكُل هذا القيح الطائِفي أن يَتَفَجّر على خَبَر لقائِه به في قطر، أي إستطلاع الآراء بشَكل غير مُباشر عِبر تَسريب الصورة للإعلام، ليَجِس النبض ورُدود الأفعال ويُهَيّء نفسه لما يُمكِن أن يَحدُث وَقتها أو يَتَعامَل مَعَه مِن الآن. وهو ما يَحصُل الآن فِعلاً مِن تَبايُن في رُدود أفعال حُلفاء السوداني. فقد تم جَمع 50 توقيع نيابي يُطالب بمَنع حُضور الشَرع! كما وَرَدَت أنباء عَن إنسِحاب كتلة بَدر وكتلة السَند مِن تحالف البناء والتنمية الذي يَرأسُه السوداني إحتِجاجاً على لقاءه بالشَرع! في حين طالَب أحد نواب المليشيات بقَطع طَريق المَطار إذا وَصَل الشَرع الى العراق! أما كتلة دولة القانون التي يَرأسها عَرّاب الميلشيات نوري المالكي، فقد تناقَضَت تصريحات نوابها بين مَن إعتَبَر الشرع نِتاج إرادة الشَعب السوري التي يَجب إحترامها، وبَين مَن إعتبَر حُضوره للقِمة إهانة للعراق!
لذلك، لنا أن نَتَخَيّل ما الذي كان يُمكِن أن يَحدُث لو لم يُبادر السوداني لهذه الخُطوة الإستِباقية، وتَرَك الأمور على حالها الى حين إنعِقاد القِمة وحُضور الشَرع، وحَدَثَت كل هذه المَهازل في حينِها، مِمّا كان سَيَضَعَه في مَوقف مُحرِج أمام ضيوفَه مِن زُعماء الدُول العَرَبية تَحديداً والعالم كَكُل. لذا لديه الآن شَهر تقريباً للتعامُل مع كل هذه الهَلوَسات، لإمتِصاص بعَضَها وتنفيس بَعضَها الآخَر، لتكون الطُرُق مُعَبّدة والأجواء أكثَر صَفائاً لقدوم الشَرع دون جَعير وإحراج وإشكالات.