: آخر تحديث

أميركا تضع أوكرانيا أمام السيناريو الألماني أو الطرح الروسي

1
1
1

خلال حوار أجراه مع صحيفة "التايمز" البريطانية 12 نيسان (أبريل) الجاري، كشف الجنرال كيث كيلوغ، المبعوث الأميركي المسؤول عن الاتصالات مع كييف، الشكل المنتظر لأوكرانيا عقب انتهاء الصراع، حسب النقاشات الدائرة في أوساط الإدارة الأميركية.

يقول الجنرال الأميركي إنَّ أوكرانيا ستواجه مصيراً مماثلاً لمصير برلين عاصمة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. فنتيجة التعنت الأوروبي إزاء الحوار مع الاتحاد السوفياتي، وإصرارها على أن تكون حليفاً تابعاً لأميركا في حربها الباردة مجردة من القدرة على التأثير في السياسات والقرارات الاستراتيجية التي تنسجم مع مصالحها، انقسمت برلين إلى مدينتين، شرقية وغربية، يفصل بينهما الجدار الشهير في رمزية مكثفة تعبر عن مناخات التصعيد التي سادت آنذاك وانسحبت على عموم الجغرافيا الألمانية والأوروبية لمدة تزيد على أربعة عقود.

ومع أنَّ الكثير من التقارير والتسريبات الإعلامية تحدثت عن السيناريو المشار إليه ضمن رؤية الإدارة الأميركية لكيفية إنهاء الصراع، والتي تقرّ بالشروط التي يتمسك بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلا أنها تعد المرة الأولى التي يقترح فيها مسؤول أميركي علانية تقسيم أوكرانيا إلى مناطق نفوذ، الأمر الذي يضع كييف، ومن خلفها بروكسل، في موقف حرج للغاية، بعدما أضاعتا الكثير من الفرص التي أتاحتها لهما موسكو لإنهاء الصراع بطريقة تحفظ اعتبارهما.

ذلك أنَّ طرح الإدارة الروسية يبدو أفضل بكثير بالنسبة إلى أوكرانيا والاتحاد الأوروبي بالمقارنة مع إعادة إنتاج النموذج الألماني بعد الحرب العالمية الثانية الذي ذهبت إليه واشنطن، مع حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على فتح آفاق الحوار مع بروكسل من أجل الشروع في عملية انتقال سلس للسلطة في أوكرانيا.

في موازاة الاعتراف بانضمام المناطق التي تقطنها الأقليات الروسية إلى الوطن الأم، والتعهد بعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) في المستقبل، بما يضمن تحييدها عن برامج الحلف التخريبية إزاء الجغرافيا الروسية وفضاءاتها الحيوية في البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى.

القنبلة التي فجرها كيلوغ دفعت ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى التخفيف بعض الشيء من آثارها التفجيرية من خلال تلطيف الرؤية الأميركية دون إجراء تغيير استراتيجي فيها.

إقرأ أيضاً: الصراع في أوكرانيا: سوق لتنمية صادرات الأسلحة التركية بدعم الناتو

في حديث مع صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية منذ أيام قليلة، قال ويتكوف إنه ناقش مع بوتين خلال اجتماعه معه في 11 نيسان (أبريل) – الذي استمر أربع ساعات ونصف – "مسألة الأراضي" أو الأقاليم التي تطالب بها روسيا. وأضاف بأن موسكو "سيكون لديها القدرة على الاحتفاظ ببعض هذه المناطق"، مع إقراره بأن تلك التي يتحدث سكانها اللغة الروسية "ليست مهمة لكييف".

هذان الموقفان يعبران عن حجم الضغوط التي تمارسها واشنطن على كييف للتخلي عن الأوهام التي تحرك حكومتها وصناع القرار فيها بدفع أوروبي واضح، وجلبها إلى طاولة المفاوضات خلال وقت قصير، إنفاذاً للوعد الذي قطعه ترامب بالتوصل إلى حل المعضلة الأوكرانية بحلول عيد الفصح.

بهذه الطريقة، فإن واشنطن تضع أوكرانيا أمام خيارين: الاعتراف بالواقع الميداني الراهن ومحاولة التفاهم مع روسيا للاحتفاظ بجزء من الأراضي التي صارت تحت السيطرة الروسية وفق تسوية مستدامة تعكس موازين القوى. بمعنى آخر الإقرار بخارطة الطريق التي وضعها الرئيس الروسي للخروج من الأزمة. وإما تركها تتجه نحو التقسيم وفق النموذج الألماني بعد الحرب العالمية الثانية، بعد توقف شريان الدعم الأميركي عنها، واستمرار كييف في عنادها وانسياقها خلف بروكسل، بما قد يؤدي إلى تفجير العديد من الأزمات والصراعات الداخلية، والتي سيطال تأثيرها القوى الأوروبية.

إقرأ أيضاً: هل تحاول كييف اختراق المسلمين؟

يمكن الاستدلال على هذا التوجه من تصريحات وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، من باريس غداة المحادثات الأميركية – الأوكرانية التي احتضنتها العاصمة الفرنسية مؤخراً، بحضور ممثلين عن فرنسا وألمانيا وبريطانيا، والتي وصف فيها الحرب في أوكرانيا بشكل واضح بأنها "ليست حربنا".

يقول روبيو "هذه الحرب لم نبدأها. أميركا ساعدت أوكرانيا على مدى ثلاث سنوات لكننا وصلنا إلى مرحلة نحتاج فيها إلى اتخاذ قرار وتحديد إن كان هذا الهدف ممكناً أو لا. ولهذا نتواصل مع الجانبين".

وبالتالي تبدو أوكرانيا بعد فقدانها هامش المناورة أقرب إلى القبول بالصيغة التي عرضتها موسكو منذ ما قبل اندلاع الصراع ولا تزال تتمسك بها، ولا سيما أنها تظهر حرصاً لافتاً على الاستقرار في الداخل الأوكراني، على عكس السياسات الأميركية التي لا تبالي بذلك وتقدم مصالحها الحيوية على أي شيء آخر.

إقرأ أيضاً: هل تزود الدولة التركية أوكرانيا بأسلحة نوعية؟

ولا أدل على ذلك من إرغامها كييف على إبرام مذكرة تفاهم بشأن الموارد الجوفية وفق الشروط الأميركية عقب مشهدية الإذلال التي تعرض لها الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، حيث نشر النائب الأوكراني ياروسلاف جيليزياك نسخة من مذكرة التفاهم عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، مبيناً أنها لا تتضمن أي ضمانات أمنية لأوكرانيا لطالما طالبت بها وأصرت عليها.

بعد ثلاث سنوات ونيف من اندلاع الصراع تجد كييف نفسها في حلقة مفرغة تعيدها صاغرة إلى الإقرار بحقائق التاريخ والواقع الجيوسياسي التي سعت إلى تجاهلها: روسيا أقرب إلينا من أميركا وكذلك من الاتحاد الأوروبي.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.