: آخر تحديث

أصيلة ورأسمالها اللامادي،، مدينة صغيرة بهوية كونية

0
0
1

ليست أصيلة مجرد مدينة صغيرة على الساحل الأطلسي، بل هي تجسيد حي للرأسمال اللامادي في أبهى تجلياته. بين أزقتها الضيقة وفضاءاتها المفتوحة على الإبداع، تبنى ذاكرة جماعية تحولت عبر عقود إلى نموذج حضاري فريد. إنها مدينة تتنفس الفن وتتوشح بالثقافة وتصدر للعالم صورة أخرى عن المغرب… صورة الانفتاح والتسامح والعيش المشترك.

أصيلة لا تكتفي بما أنجزته من تظاهرات ثقافية ومنتديات ومبادرات شبابية، بل تختزن في تفاصيلها اليومية عناصر تميز يصعب حصرها. من تصميم أرضيتها المرصوفة برؤية فنية من إبداع الفنانين محمد المليحي وفريد بلكاهية، إلى خصوصية معمارها المغربي الأندلسي المتناغم، ومن حدائقها العامة التي تحمل أسماء كبار المثقفين والمبدعين المغاربة والعرب والأفارقة، إلى تنوع أماكن العبادة فيها، حيث الكنيسة تقف بجوار المسجد، إلى تواجد معبد يهودي يؤكد على التعايش بين الاديان. كل شيء في أصيلة يعبر عن وعي حضاري متجذر.

أما بساطة أهلها فهي سر دفء المدينة وروحها، إذ تلمس فيهم كرما فطريا وتواضعا يلامس القلوب وارتباطا أصيلا بالمكان.

ما يمنح أصيلة هذا التميز ليس موقعها الجغرافي فحسب، بل نخبها الثقافية ومبدعوها ومجتمعها المدني الفاعل ورصيدها التاريخي والرمزي العميق. إنه هذا الإرث الثقافي والإنساني المتراكم الذي جعل منها نموذجا عالميا لمدن الفكر والفن والإبداع، وحولها إلى منصة دولية للحوار الثقافي والتلاقي الحضاري بفضل رؤية استشرافية للراحلين محمد بن عيسى ومحمد المليحي مؤسسي موسم أصيلة الثقافي الدولي.

لكن هذا الرصيد ليس أبديا إن لم نحتضنه برؤية استراتيجية جماعية تعزز ما تحقق وتستشرف المستقبل. فمسؤولية الحفاظ على رأس المال اللامادي للمدينة لا تقع فقط على عاتق مؤسسات الدولة، بل هي مسؤولية كل من آمن بأن الثقافة قوة تنموية، وبأن الهوية الثقافية حوالفنية للمدينة ليست عائقا بل رافعة للتقدم.

وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة لتجويد الخدمات السياحية والثقافية، وخلق فضاءات للتكوين والتفكير واكاديمية للتكوين الفني والاعلامي والسينمائي ومؤسسة للذكاء الاصطناعي، وابتكار فرص شغل تتماشى مع روح المدينة وموروثها الثقافي والسياحي. كما أن التوازن بين مدن وقرى جهة طنجة-تطوان-الحسيمة ينبغي أن يبنى على احترام الخصوصيات المحلية، وتثمين التميز الذي تتفرد به أصيلة.

إن التحدي اليوم لا يكمن فقط في المحافظة على ما هو قائم من إرث ثقافي وفني، بل في تطويره وابتكار أدوات جديدة لصيانته. فحين نعتبر أصيلة رسالة حضارية، نصبح جميعا شركاء في صياغة فصولها القادمة… فصول عنوانها: الاستثمار في الذكاء الثقافي والإنساني.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.