في مشهد يتكرر بوتيرة مملة، تطالعنا حماس بمطالبة جديدة لإطلاق سراح خلية إرهابية في الأردن، بينما يظهر على منصات التواصل الاجتماعي مرتزق فلسطيني من أصحاب الأقلام المأجورة يقيم في لندن، يرتدي أفخر الثياب، ويطلق من وراء بحار الشعارات الثورية والجهادية. مفارقة صارخة تجسد حالة الازدواجية التي باتت سمة أساسية لمن يتاجرون بالقضايا ويزايدون على الشعوب والحكومات العربية. فلماذا يتعين على الأردنيين والمصريين والسعوديين والإماراتيين أن يدفعوا فاتورة تنظيمات إرهابية تقوم بأعمال تخريبية ثم تعاقب الشعوب العربية على عدم مشاركتها الموت وتدمير بلدانها؟
ولعل المثير للدهشة أن تجد حماس نفسها تطالب بإطلاق سراح 16 شخصاً اعتقلتهم السلطات الأردنية في أبريل 2025، وهم متهمون بتشكيل خلية لتصنيع الصواريخ داخل الأردن. وقد كشفت التحقيقات أن هذه الخلية كانت تخطط لاستهداف منشآت حساسة في المملكة، مما يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي الأردني. أضف إلى ذلك أن المعتقلين من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وقد جمّد حزب “جبهة العمل الإسلامي” (الذراع السياسية للإخوان في الأردن) عضوية ثلاثة منهم بعد ورود أسمائهم في لائحة الاتهام.
وفي تطور لافت يعكس حجم الخطر الذي تمثله هذه الجماعات، أعلن وزير الداخلية الأردني مازن الفراية في 23 أبريل 2025 عن حظر كافة نشاطات جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، واعتبارها جمعية غير مشروعة. وشمل القرار مصادرة ممتلكات الجماعة المنقولة وغير المنقولة، وإغلاق مقارها في كافة أنحاء المملكة، ومنع الترويج لأفكارها تحت طائلة المساءلة القانونية.
وكشف الوزير أن الجماعة حاولت تهريب وإتلاف كميات كبيرة من الوثائق من مقارها لإخفاء نشاطاتها وارتباطاتها المشبوهة، كما تم ضبط عملية لتصنيع المتفجرات وتجريبها من قبل أحد أبناء قيادات الجماعة وآخرين، كانوا يخططون لاستهداف الأجهزة الأمنية ومواقع حساسة داخل المملكة. هذه الإجراءات تؤكد أن الدولة الأردنية لم تعد تتسامح مع من يستغلون الشعارات الدينية والسياسية لتهديد أمن المواطنين واستقرار البلاد
ومن متابعتنا للأحداث فقد تأرجحت حماس بين موقفين متناقضين: فهي من جهة تدعي أنها "متأكدة من أن هؤلاء الشباب لم يكونوا يستهدفون بأي حال من الأحوال أمن الأردن أو استقراره"، ومن جهة أخرى تطالب بإطلاق سراحهم بحجة أن أعمالهم جاءت "بدافع النصرة لفلسطين ورفض العدوان الإسرائيلي على غزة". وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال جوهري: كيف يمكن لتصنيع صواريخ داخل الأردن واستهداف منشآت أردنية أن يكون "نصرة لفلسطين"؟ أليس هذا اعترافاً ضمنياً بأن الهدف الحقيقي هو زعزعة استقرار الدول العربية تحت غطاء "مقاومة إسرائيل"؟ مع العلم انها لسيت المرة الأولى التي يكونون فيها خونة للبلدان التي تستضيفهم فتاريخهم "أسود" على مر الأوقات.
وقد قال المتنبي في إحدى قصائده بيتاً بليغاً: "إذا أنت أكرمت الكريم ملكته… وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا"، وهذا بالضبط ما يحدث مع حركة حماس. فقد استضافهم الأردن وأكرمهم على مدى عقود، وبدلاً من رد الجميل، وجدناهم يسعون إلى تخريب البلد الذي آواهم وأحسن ضيافتهم، أليس هذا هو اللؤم بعينه؟”
إن أخطر ما نجحت فيه حماس والتنظيمات الإرهابية المشابهة هو أنها غرست في الوعي الجمعي للشعوب العربية صورة حقيقية عن نفسها كمجموعة من القتلة والإرهابيين الذين لا يتورعون عن قتل إخوتهم وأبناء شعبهم، ويتاجرون بأرواح الفلسطينيين لأجل شعارات فاسدة أثبتت قبحها وزيفها يوماً بعد يوم. وقد بات واضحاً للعيان أن معظم قيادات هذه التنظيمات هم فاسدون بالطبيعة والاعتياد، فوجودهم في الخارج وعيشهم في الدول الأجنبية في حالة من رغد العيش والترف، بينما يموت أتباعهم في الداخل، يوضح للشعوب العربية والأجيال القادمة أن القضية الفلسطينية ليست سوى شماعة للتربح والتكسب والقيام بالأعمال الإجرامية والإرهابية والضغط على الدول العربية لدفع فاتورة الدمار الذي يقومون به. وما عدا ذلك فهو مجرد تخاريف عقول فاسدة تتاجر بمعاناة شعب بأكمله.
وفي خضم هذه التطورات، يبرز سؤال محوري: لماذا يتعين على الشعوب العربية والحكومات العربية أن تدفع فاتورة تنظيمات إرهابية تقوم بأعمال إرهابية ثم تعاقب الشعوب العربية على عدم مشاركتها الموت وتخريب بلدانها؟ لماذا تُلام الحكومات العربية على رفضها أن تكون ساحاتها منطلقاً للعمليات الإرهابية؟
إن الإجابة تكمن في أن هذه التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها حماس، أتاحت لنفسها الفرصة لتصدر المشهد بهدف الإطاحة بالحكومات العربية تحت تهمة أنها “حكومات كافرة” أو “حكومات رجعية”. بل إن بعضها يذهب إلى حد اعتبار أن الأرض والبلد نفسها جزء من “الحلم بالدولة الكبرى من البحر إلى النهر”، وأن سكانها بالنتيجة جزء من الشعب الذي يتبع هذه التنظيمات.
هذه لعبة قذرة مستمرة منذ سنين، يتم فيها استغلال معاناة الشعب الفلسطيني لتحقيق أجندات سياسية وأيديولوجية لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية، وقد آن الأوان لفضح هذه الازدواجية في الخطاب، وكشف حقيقة من يتاجرون بالقضايا ويزايدون على الشعوب والحكومات العربية.
حمى الله الأردن مليكا وشعبا