: آخر تحديث

لماذا تثق روسيا في السعودية؟

5
5
4

عدت بذاكرتي إلى حقبة التسعينات، وتحديدًا إلى الغزو العراقي للكويت، فوجدت في أحداث تلك المرحلة ما يُفسّر سبب الثقة التي تبديها روسيا اليوم تجاه المملكة العربية السعودية. هذه الثقة لم تبدأ حديثًا، بل تعود جذورها إلى ما قبل قيام العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتحديدًا منذ عهد الاتحاد السوفيتي تحت حكم الحزب الشيوعي.

تاريخ الثقة الروسية في السعودية يعود إلى عهد الاتحاد السوفيتي قبل انهياره، فقد فرضت الزيارة التي قام بها الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي السابق لدى واشنطن، إلى موسكو في الشهور الأولى من الغزو العراقي للكويت جسور الثقة بين البلدين.

حمل الدبلوماسي المخضرم الأمير بندر رسالة من الرياض وواشنطن في آن واحد، فقد أبلغ القيادة السوفيتية موقف السعودية من الغزو وبقرار تحرير الكويت، والتفاصيل التي شرحها باسم الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز، وتأييد الرئيس بوش الأب للتحرير والقرارات الدولية.

توجت مهمة الأمير بندر بثقة الاتحاد السوفيتي ومحادثات بناءة واستجابة لرسائل السفير السعودي لدى واشنطن، وحفزت على المناقشة الإيجابية للغزو العراقي للكويت بوضوح من دون مواربة، فقد كانت لغة وأسلوب المبعوث السعودي تستحق ثقة الانصات والتعاون وتبادل الآراء بشفافية.

كانت ملامح الثقة والاهتمام السوفيتي، تجليا منذ استقبال المبعوث السعودي وما صاحب ذلك من بروتوكول استثنائي وضيافة واهتمام في التعرف على شخصية مقربة جدا من الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله ومن دوائر صناعة القرار الأمريكية.

لم يكن سرا ما يتمتع به السفير السعودي الأمير بندر بن سلطان من علاقات عميقة وواسعة مع الإدارة الأميركية، وعلاقته المميزة مع الرئيس بوش الأب، لذلك توافق الاختيار السعودي والأميركي على المبعوث السعودي في إيصال الرسالة من العاصمتين، الرياض وواشنطن. 

كانت الأوضاع الدولية تسودها القلق والتوتر من جرعات الغطرسة المفرطة لصدام حسين وغروره الأجوف ودجله الإعلامي والتعنت السياسي والعسكري، وتحدي المجتمع الدولي، لذلك اخذت زيارة الأمير بندر إلى العاصمة السوفيتية موسكو مكانتها السياسية والدبلوماسية وثقة القيادة السوفيتية وتقديرها وامتنانها.

تمتعت رسالة الأمير بندر بن سلطان إلى القيادة السوفيتية بتعزيز الثقة في الموقف السعودي والأمريكي أيضاً في ظروف دولية حرجة للغاية، لحسم موقف موسكو من الغزو العراقي وتحرير الكويت.

لقد تميزت مهمة المبعوث السعودي الأمير بندر في شرح وتوضيح كواليس الموقف الاميركي والموقف السعودي أيضاً من الغزو العراقي وتحرير الكويت والتفاهم الدولي من حسم الموقف من الغزو العراقي للكويت والتحرير.

طبعا لم تفوت الدبلوماسية السوفيتية فرصة التقرب من دوائر صناعة القرار في السعودية والتعرف عليها بشكل مباشر من شخصية تحظى بثقة العاهل السعودي الراحل فهد بن عبدالعزيز تمهيدا لقيام علاقات دبلوماسية بين روسيا والسعودية بعد تحرير الكويت. 

لم تساور القيادة السوفيتية أي ظنون أو شكوك تجاه زيارة ومهمة السفير السعودي الأمير بندر بن سلطان، بل ساعدت المهمة والمحادثات في استيعاب موقف المجتمع الدولي، والموقف السعودي من الغزو العراقي.

تطورات ثقة روسيا في المملكة العربية السعودية اليوم على مختلف المستويات الدولية والإقليمية، لها تاريخ قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، وتجدد بعد انهيار العملاق الشيوعي.

ناشر جريدة "إيلاف" الأخ عثمان العمير، والأخ الدكتور عادل الطريفي، وزير الإعلام والثقافة السعودي السابق، عبرا عن اهتمامهما بشهادتي بحكم العمل آنذاك في العاصمة السوفيتية موسكو، فلهما عظيم الشكر والامتنان على توثيق ذاكرة غير مائية عن ثقة روسيا في السعودية. 

*إعلامي كويتي


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.