الاستهانة بالخصم الذي لا يمکن لوي ذراعه ولا بالمستطاع جره الى طاولة المساومة، والإصرار على الاستمرار في مواجهته ومواصلة الصراع ضده على أمل النيل منه رغم إن هذا الخصم وفي خضم المواجهة الدائرة يتعرف على المزيد من نقاط الضعف الجديدة أو المستجدة في غريمه، يرفع من درجة ومستوى مناعته بحيث يصل القضاء عليه الى درجة المستحيل، ومن دون شك فإن عدم الاخذ بأبجديات الواقع والاستمرار في مواجهة هکذا خصم هو کمن يتمنى عودة الزمن أو إمتلاك سر الخلود!
عن الصراع والمواجهة الدائرة بين نظام ولاية الفقيه الحاکم في إيران وبين منظمة مجاهدي خلق أتحدث، ذلك الصراع والمواجهة التي لايمکن أبدا عزلها وفصلها عن الصراع الذي کان دائرا بين المنظمة وبين نظام الشاه منذ تأسيس المنظمة عام 1965، وحتى سقوط هذا النظام، حيث إن المميز واللافت للنظر هو عملية إدارة الصراع وضمان إستمراره ومواصلته رغم کل العوائق والنکسات والظروف الصعبة، وخلال عهد الشاه الذي قام بإعدام قيادة المنظمة وکان ذلك وفق ماهو متعارف عليه في هکذا حالات في معظم دول العالم بمثابة نهاية للمنظمة وتلاشيها، لکن الذي حصل هو إن المنظمة نهضت من جديد کطائر العنقاء الاسطوري وحلقت کما لم تحلق من قبل في سماء إيران.
السٶال المهم جدا الذي يطرح نفسه بقوة وإلحاح هو؛ لماذا لم تنتهي وتتلاشى مجاهدي خلق کأي تنظيم سياسي آخر بعد تصفية قادتها من قبل نظام الشاه في عام 1972، ولماذا عادت أقوى من الاول وإستمرت في مواجهة نظام الشاه؟ الاجابة الشافية والوافية التي من المهم الانتباه لعمق مغزاها هو إن القيادة في منظمة مجاهدي خلق ليست قيادة تقليدية عادية کسائر الاحزاب والتنظيمات السياسية المعادية للأنظمة الديکتاتورية، إذ ليس هناك من جدار وحاجز بين قيادة المنظمة وبين قاعدتها بل هناك شفافية متناهية بهذا الخصوص، وهذه ميزة غير عادية لمستها شخصيا في هذه المنظمة ولا سيما عندما شاهدت القياديين يقومون جنبا الى جنب مع أفراد من القاعدة بتقديم الخدمات لضيوفم أو حتى أداء أعمال وأمور أخرى غير ذلك.
مستوى المرونة والسلاسة في الطريقة والاسلوب السائد في علاقة القيادة بالقاعدة في منظمة مجاهدي خلق، منحت وتمنح إمکانية وإقتدارا غير عاديا للمنظمة في عدم المعاناة من غياب أو فقدان القيادة لأي سبب کان، لکن هناك ملاحظة مهمة أخرى لا يمکن تجاهلها وهي علاقة مجاهدي خلق بالشعب الايراني وتواجدها المستمر في العمق الايراني على الرغم من الشراسة التي واجهتها من جانب نظام الشاه ومن جانب النظام الحالي مع الاخذ بنظر الاعتبار إن النظام الحالي قد إستفاد من تجارب سلفه وأغناها بالمزيد من القسوة والبطش والشراسة، ولکن ورغم ذلك فإن مجاهدي خلق بقيت في العمق الاجتماعي الايراني ولم تکن أبدا کمنظمة تتواجد قەادتها في الخارج ومنقطعة عن جذورها في الداخل، وهناك شهادات عديدة بهذا الخصوص تٶکد بأن مجاهدي خلق بقيت في داخل أوساط الشعب الايراني وشرائحه وطبقاته وأطيافه المختلفة.
لسنا في معرض الاستهانة بشعبية أحزاب وطنية أخرى عاصرت مجاهدي خلق نظير فدائيي الشعب على سبيل المثال لا الحصر، لکن الحقيقة التي لا يرقى إليها الشك هو إنه ليس هناك من حزب أو تنظيم سياسي وطني إيراني بإمکانه أن يضاهي مجاهدي خلق في شعبيتها، وحتى إن زعيم منظمة مجاهدي خلق، مسعود رجوي، عندما ألقى کلمة في جامعة طهران بعد خروجه من سجون الشاه، فإن أکثر من 300 ألف إيراني حضروا وإستمعوا لکلمته بحماس بالغ، وهذه الشعبية کانت أکثر شئ مثير للقلق ورثه النظام الحالي من سلفه نظام الشاه، ومن نافلة القول أن هذا النظام قد کرس جهدا إستثنائيا من أجل القضاء على هذه الشعبية وهذا الجهد کان من النواحي السياسية والاعلامية والفکرية والقضائية حيث تم فيه الترکيز على الاساءة للمنظمة وإظهارها بمختلف المظاهر السلبية ومع کل ذلك قام النظام بوضع مسائلة قانونية لکل من ينتمي للمنظمة أو يتم إثبات أية صلة لها بها وهذه المسائلة تقود في أغلب الاحيان الى الحکم بالموت حتى ولو کان الامر بسبب تقديم مساعدة مادية بسيطة للمنظمة!
على الرغم من کل الجهود التي بذلها النظام الحالي من أجل القضاء على شعبية المنظمة وفصم عرى العلاقة الوثيقة التي تربطه بالشعب الايراني، لکن لا يبدو إطلاقا إن النظام قد حالفه الحظ في ذلك بل وحتى فشل فشلا ذريعا والى جانب إن النظام لم يکف طوال العقود الاربعة الماضية عن توجيه التهم الى المنظمة على أثر إرتکاب أي عمل أو نشاط ضده فإنه يکفي القول بأنه وجه التهمة للمنظمة بأن لها الدور الاکبر في الانتفاضة الحالية ومن إنها هي التي تعمل على إستمرارها وتواصلها، والحق إن هناك ثمة ملاحظة مهمة بهذا الصدد لا بد من أخذها بالحسبان وهي إن العلاقة بين المنظمة وبين الشعب الايراني متداخة الى حد إن النظام صار يخلط بين العمليات والنشاطات الاحتجاجية التي يقوم بها الشعب الايراني وبين النشاطات المضادة التي قامت أو تقوم بها مجاهدي خلق، بل وحتى إن الامر وصل الى حد بأن يصف النظام معظم المشارکين في الانتفاضة الحالية بـ"المنافقين"وهي صفة طفق على إطلاقها على المنظمة من أجل الانتقاص والنيل منها عبثا ومن دون طائل.
مجاهدي خلق من خلال تمکنها من مواصلة الصراع مع أسوء نظام ديکتاتوري في العالم وتمکنها من النيل منه وحتى أن تصبح أکبر وأهم قوة سياسية معارضة بوجهه، أثبتت وبصورة عملية بأنها أکبر من مجرد حزب أو تنظيم سياسي وأقوى وأمضى من ظاهرة، إذ هاهي بعد 43 عاما من کل تلك الحملات والهجمات الشرسة للنظام والتي کانت تستهدف إبادتها تعود على رأس إنتفاضة يرفع الشعب لايراني فيها شعارا إسقاط النظام، مجاهدي خلق وبإختصار شديد الند للنظام وبديله القائم!