: آخر تحديث

هل فهم الكرد العراقيون الدرس؟

83
82
51
مواضيع ذات صلة

لا يعترض أحد على حلم الشعب الكردي بإقامة دولته المستقلة، فمن أبسط مباديء حقوق الإنسان أن يملك أي شعب من شعوب الدنيا حق تقرير مصيره، بحرية وكرامة وسلام.

والخلاف بيننا وبين بعض السياسيين الكرد العراقيين لا يمس هذا المبدأ الإنساني المشروع، بل على الوسيلة والأسلوب، إضافة إلى التوقيت والطريقة والنتيجة.

والمئات من الكتاب والمحللين المحبّين للشعب الكردي لم يتوقفوا عن نصح القيادات الكردية، خصوصا في الظرف العراقي المأزوم، منذ غزو صدام للكويت 1990، بأن الجري وراء عصفور تائهٍ بين طيّات السحاب وقتلَ عصفورٍ ذهبي في اليد، حماقة لا تُغتفر.

ورغم أن الحزبين الكرديين الرئيسْين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، كانا يَجهدان لإخفاء الخلاف المتأصل بينهما، والتستر عليه، والتظاهر بعدم وجوده، فإنه سرعان ما كان يكسر قشرة البيضة، ويخرج إلى العلن.

وقد يكون الخلاف بين حزبين متنافسين أمرا عاديا وغير مثير للغرابة، ولكن أن يلجأ الإخوة الأعداء إلى المَيَلان، هذا إلى الشرق، وذاك إلى الشمال، ليفوز على شقيقه الآخر بعصا هذه الجارة أو تلك، فهذا هو الخطيئة بعينها، وخسائرها لا تصيب الحزبين وحدهما، بل تتعدّاهما إلى المواطن الكردي أولا، ثم إلى شقيقه العربي، دون ريب.

فقد تتسامح إيران، وقد تتساهل تركيا، مع تمرد القيادات السياسية الكردية على هيبة الدولة العراقية، وعلى ثرواتها وأمنها واستقرارها، وقد تُغمضان عيونهما عن شبه الانفصال عن الوطن الأم، وقد تشجعان عليه، لغايات ظاهرة ومستترة، قريبة وبعيدة، ولكنهما لن تقبلا، بأي شكل من الأشكال، بأن تقوم دولةٌ كردية حقيقية، ويعترف العالم باستقلالها، حتى لو كان نصفُها، عمليا وواقعيا، في قبضة الولي الفقيه، ونصفُها الآخر بين أصابع أردوغان.

وما التفاهم التركي الإيراني على ملاحقة كرد إيران وكرد تركيا على الأراضي العراقية في المحافظات الكردية الثلاث، ومحاولة قتلهم، أو إعادتهم إلى بيت الطاعة، على حساب المواطن الكردي العراقي وهيبة الدولة العراقية وأمنها القومي، إلا دليل على ذلك الواقع المرير الذي ينبغي أن يفهمَه الممسكون بعصا القيادة في الإقليم..

وحتى العاصمة بغداد، في ظل اضطراب بوصلتها وتخبط أحزابها وإفلاس خزينتها، تتحول يوما بعد يوم إلى منصة لإطلاق سهام مسمومة نحو الإقليم يديرُها مسلحون متعصبون تحركهم الأيدي الخفية من وراء الحدود.

ولا بد أن السياسيين الكرد العراقيين بدأوا، منذ زمن ليس بالقصير، يلمسون، قبل غيرهم، وأكثر من غيرهم، أن حلفاءهم في المعسكر العراقي الإيراني بدأوا يجاهرون بعدائهم لكردستان.

ولا نريد هنا أن نُقلّبَ المواجع، ونُعدد الأخطاء التي ارتكبها السياسيون الكرد، من أيام المعارضة العراقية السابقة التي سبقت قبل الغزو الأميركي في 2003.

فقد اختاروا أن يقتسموا الفريسة مع الفريق الإيراني، معتقدين بأن ترك القسم العربي من الوطن العراقي ملكا سُراقه ومفسديه سوف يُبعد شرورهم عن إقطاعياتهم الأسرية والعشائرية في كردستان. وظنوا أن خرابه أنفع لدولتهم القادمة، ويُعجل خلاصها.

وهذه هي أكبر خطاياهم التي جاءت بجميع الخطايا اللاحقة، عليهم وعلى جميع العراقيين، وعلى شعوب المنطقة كافة.

ترى كيف كان سيكون حال إقليمهم، وحال وطن العراق، لو كانوا رفضوا خدعة المحاصصة، وعارضوا حل الجيش الذي لم يكن جيش البعث، ولا جيش صدام، ولو أوكلوا إليه حفظ الأمن والثروة والحدود، وأصروا على سيادة سلطة القانون؟

وماذا كان سيكون العراق اليوم، لو رفضوا الديمقراطية المغشوشة، وأصروا على صياغة قانون انتخاب شريف ونزيه، وتمسكوا بضرورة فصل الدين عن الدولة، ورفضوا تدخل رجال الدين ورؤساء العوائل والقبائل في السياسة وشؤون الحكم وكتابة الدستور؟

وماذا كان سيكون لو تحالفوا مع القوى العراقية الديمقراطية العلمانية واليسارية، فقويت بهم، وازدادوا، هم، بها قوة؟

أما كان العراق اليوم في مأمن من الصواريخ المفخخات والميليشيات وعصابات الخطف والسرقة والاختلاس؟ وأما كان قد حقن دماء عشرات الآلاف من أبنائه؟ 

ولكنهم أثبتوا، من أول تسلطهم على قيادة الشعب الكردي، وإلى اليوم، أنهم لم يكونوا يريدون ديمقراطية، ولا عدالة. والدليل أنهم لم يقيموا في (كردستانهم) دولة العدل والمساواة وسلطة القانون، بل تقاسموها على طريقة: هذه الصُرَّة لي، وتلك لك. ثم راح كل فريق منهم يطلق أولاده وأبناء أعمامه وأخواله، وأفراد قبيلته ومحازبيه، ليتسلطوا على البشر والحجر، ويصادروا الماء والهواء والدواء، حتى أوصلوا شعبهم إلى ما هو عليه اليوم، بلا سيادة ولا أمن ولا مال ولا غدٍ معلوم.

مناسبة هذا الكلام أن الصواريخ الإيرانية الأخيرة ليست هي التي تؤكد أن إيران لا تؤتمن، وأنها لن ترحم كرديا ولا عربيا إذا لم يستسلم لإرادتها، ولم يتخذ سبيلا غير سبيل أهدافها ومخططاتها، بل لأنها تثبت، بالدليل، أن التحالف مع الأحزاب الدينية الولائية كان هو الخطأ القاتل الذي ارتكبه الراحل جلال الطالباني، ومن بعد أولاده، ومسعود البرزاني وأبناؤه وأبناء عمومته الذين يدفعون اليوم، وسوف يظلون يدفعون ثمنه الباهظ إلى أمدٍ بعيد.

فهل عودتهم إلى أحضان الوطن الحر الموحد القوي ما زالت متاحة؟ نعم، وقبل فوات الأوان.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي