: آخر تحديث

(كاراباخ) و(الحروب الدينية) لأردوغان

84
74
68
مواضيع ذات صلة

الرئيس التركي (رجب طيب اردوغان)، ذو النشأة الاسلامية، في أكثر من مناسبة  ردد أمام أنصاره (أبيات الشعر)، التي أدخلته السجن عام 1999 بتهمة (التحريض على الكراهية الدينية) " المآذن حرابنا، والقباب خوذاتنا، والمساجد ثكناتنا، والمؤمنون جنود، لا شيء يهزمني، لو فتحت السماء، وتدفق علينا الطوفان والبراكين، إن أجدادنا الذين افتخروا بدينهم لم يركعوا لأحد ". اردوغان، الذي يتزعم حزب( العدالة والتنمية) الاسلامي الحاكم في تركيا،  أراد التأكيد على أن (الاسلام)، بعقيدته ومفاهيمه ومشروعه، يشكل (مرجعيته الأساسية) في الحكم والادارة، كذلك في تحديد ورسم توجهاته السياسية  وعلاقاته مع العالم الخارجي . لهذا لم يكن مفاجئاً قرار أردوغان " تحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد " .

أن يتم تحويل كنيسة الى مسجد، والبشرية في القرن الواحد والعشرين، يعني العودة بالمنطقة الى زمن (الحروب الدينية)، التي من المفترض أن تكون البشرية قد تجاوزتها الى عصر (التسامح الديني والتعايش بين أتباع مختلف الديانات والثقافات) .  أردوغان، يهوى (نبش القبور) لابتزاز أهالي الضحايا وفتح جروح الماضي الأليم ،المثقل بمآسي المسيحيين المشرقيين .  بدلا من أن يعتذر عما اقترفه أجداده العثمانيين من مذابح (إبادة جماعية) بحق المسيحيين( الارمن والآشوريين واليونانيين) عام 1915 أقرت بوقوعها عشرات الدول والمنظمات والهيئات الدولية المعنية بحقوق الشعوب ، (اردوغان) تفاخر بما ارتكبه أجداه من (جرائم ضد الانسانية). في مؤتمر صحافي يوم 4 ايار الماضي استخدم (اردوغان) أشد العبارات المهينة في اللغة التركية "بقايا السيف" في إشارة واضحة للناجين من الابادة لعام 1915، قائلاً: " لن نسمح للإرهابيين من بقايا السيف في بلدنا بمحاولة تنفيذ أعمالهم الإرهابية. لقد قلّ عددهم ولكنهم لايزالون موجودين". هكذا، بدافع (الحقد والكراهية الدينية) ومن غير تأنيب ضمير، أردوغان وصف أحفاد الضحايا الناجين من الابادة بـ"الإرهابيين" والتهديد بالتخلص منهم . فيما الحقيقة ، أن (تركيا) في عهد اردوغان، تُعد من أكثر الدول الداعمة للجماعات الاسلامية المتطرفة والارهابيين الحقيقيين في المنطقة والعالم ،مثل (داعش والقاعدة والنصرة والإخوان المسلمين). 

أردوغان يلجأ الى استدعاء التاريخ بحثاً عن ما يبرر (حروبه الدينية) في محاولة بائسة منه لإحياء أمجاد أجداده العثمانيين . وهو لم يتردد باستغلال النزعات (المحلية والإقليمية ) في تحقيق أحلامه وخدمة مشروعه الاسلامي، ذلك  من خلال  التدخل العسكري المباشر أو دعم ومساندة التيارات والقوى الاسلامية  و الزج  بالمرتزقة في (حروبه الدينية) . هذا ما فعله ويفعله  في  أرمينيا وسوريا وليبيا ولبنان والعراق وقبرص ومصر ومناطق أخرى. انتقاماً من (الشعب الأرمني) ،الذي يطالب تركيا بالاعتراف بالابادة الجماعية للأرمن  عام 1915 وانسحابها من الولايات الأرمنية التي تحتلها ، اشعل أردوغان، عبر حليفته أذربيجان، (حرباً اسلامية) على الأرمن المسيحيين في اقليم (ناغورني كاراباخ ) - معروف لدى الأرمن بـ( إقليم أرتساخ) . اردوغان أراد من هذه الحرب تنفيذ (إبادة  جماعية) جديدة بحق الأرمن وإخلاء الاقليم من الوجود الأرمني المسيحي ، كما فعل أجداده العثمانيين في المناطق التاريخية للأرمن والآشوريين واليونان التي احتلوها، فهي اليوم تكاد تكون خالية من سكانها الأصليين (المسيحيين) . في الوقت الذي تحتل تركيا سبع (ولايات أرمنية)،  أردوغان يطالب أرمينيا بانسحاب فوري من اقليم ( كاراباخ- أرتساخ) الذي يعود تاريخياً الى الارمن .  جدير بالذكر، أن ( جوزيف ستالين) في الحقبة السوفيتية جعل من الإقليم " قنبلة موقوتة " بضمه الى أذربيجان 1923 مع منحه (حكماً ذاتياً ) داخل جمهورية أذربيجان . بعد تفكك الاتحاد السوفيتي  قامت القوات الأرمنية 1992 باستعادة  الاقليم وضمه الى جمهورية أرمينيا. 

العالم المسيحي( شرقاً وغرباً) مازال يدفع ثمن (الخطأ التاريخي) القاتل، الذي ارتكبته أوربا بتقاعسها بنجدة ومساعدة الملك البيزنطي(قسطنطين) لصد الغزو العثماني والدفاع عن عاصمة العالم المسيحي أنذاك (القسطنطينية) ، عاصمة (الإمبراطورية البيزنطّية - الرومانية الشرقية ). سُقوط مدينة القسطنطينية ، بيد العثمانيين المسلمين ايار 1453م ، شكل بداية نهاية المسيحية في المشرق، فيه ظهرت ومنه انتشرت في مختلف قارات العالم. للأسف ، أوربا لم تستفيد ولم تتعظ من (أخطائها التاريخية) لجهة تحصين مجتمعاتها من خطر  (التغلغل الاسلامي) ولجهة حماية ما تبقى من وجود مسيحيي في المشرق.  الدول الغربية ، بعلاقتها مع (تركيا ) بقيت اسيرة مصالحها (الاقتصادية) وحسابتها  (السياسية)، فيما تركيا تخطط لزعزعة الأمن والاستقرار في (القارة الأوربية) من خلال غرقها بقوافل المهاجرين المسلمين. أردوغان على يقين تام بأن بين المهاجرين آلاف الاسلاميين المتشددين المرتبطين بالتنظيمات والجماعات الاسلامية المتشددة والارهابية، هم بمثابة (قنابل موقوتة) داخل المجتمعات الأوربية.  

حين يخاطب اردوغان  الجاليات الاسلامية في أوربا بالقول " أنا حاميكم" هو يعني ما يقول. أنه يريدهم  جنوداً ومجاهدين  لـ(حروب اسلامية)  مستقبلية لا محال من وقوعها في أروبا مع تزايد أعداد  الجاليات الاسلامية لديها. قبل سنوات قليلة أردوغان شن حرباً (اعلامية- سياسية) على كل من ( سويسرا، ألمانيا ، بلجيكا)  واصفاً  حكوماتها بالفاشية والنازية واتهمها بـ" معاداة الاسلام"، لرفضها الرضوخ لابتزازات (الجاليات الاسلامية) الساعية الى فرض (نمط حياتها ) على المجتمعات الأوربية ،التي احضنتها ووفرت لها كل أسباب العيش الكريم بعد أن هربت من جور وظلم حكومات بلدانها الاسلامية . اليوم بدأ اردوغان بالتهجم على فرنسا التي قررت مكافحة  "الانفصالية/الانعزالية الإسلاموية" والدفاع عن مبادئ الجمهورية وعلمانية الدولة . أردوغان  اعتبر حديث الرئيس الفرنسي(أمانويل ماكرون ) عن  (أزمة الاسلام)،   " قلة أدب و وقاحة".  
تركيا في عهد أردوغان لها أكبر انتشار عسكري خارج الحدود التركية منذ سقوط وتفكيك (الإمبراطورية العثمانية). تركيا هذه بنظر الكثير من المراقبين،  باتت تشكل خطراً حقيقياً ،ليس على أمن واستقرار المنطقة فحسب وإنما على (الأمن والسلم) العالميين ايضاً. هل سنشهد (إجماع دولي) على ضرورة كبح جماح (التمدد التركي) ، مثلما حصل مع (التمدد الإيراني)؟؟ .  أم أن أمريكا وحلفائها من الدول الأوربية، ستبقى اسيرة (مصالحها الاقتصادية وحسابتها السياسية) مع تركيا وتترك السلطان العثماني الجديد ( رجب طيب اردوغان ) الطامح لإعادة أمجاد أجداده العثمانيين ، يُحرك أذرعه (السياسية والعسكرية) خارج تركيا كما يشاء؟؟.  

باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات 
[email protected] 
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في