: آخر تحديث

الإمارات تعرّي تعصّبنا

95
91
78
مواضيع ذات صلة

عندما تنظر إلى الإمارات والصورة التي قدمتها في زيارة البابا فرنسيس إليها في أول زيارة لسيّد الفاتيكان إلى الخليج العربي، تشهّد الرقّي في احترام الآخر، الآخر الذي يحمل معتقداً مختلفاً وهوية مختلفة... تشهد الرقي في دولة إسلامية لم تقف عند حدود المعتقد الديني بل تخطته إلى ما هو أعمق... إلى الانسانية.

مشهد البابا مع شيخ الأزهر أبعد من الكليشيهات النمطية، مثل صورة الصليب والهلال والكنيسة والجامع؛ هو مشهد من لحم ودم نرى فيه أكبر مرجعيتين دينيتين للمسيحيين والمسلمين معاً يقولان للعالم الذي يقود صراعاته باسم الدين، إن الدين هو طريق نختاره بيننا وبين الله، ولكن كبشر يمكن أن يكون بيننا قاسماً مشتركاً، بل قواسم مشتركة. 

كلبنانية، على قدر ما أفرح بهذا الوجه الحضاري للامارات، على قدر ما أحزن أكثر على بلدي، البلد الذي أصبح فيه الدين شمّاعة السياسيين لخدمة مصالحهم الطماعة... أحزن عندما أرى بلداًإسلامياً يحتفي بالبابا ويكرّمه كل هذا التكريم، وبلدي الذي تجمع قراه مختلف الطوائف في بقعة واحدة صغيرة، ويتداخل نسيجه الاجتماعي بكل أطيافه، غارق حتى الاختناق في أتون الطائفية... لا، في بلدي المشكلة ليست في الدين، المشكلة فينا نحن، نحن شعب عاطفي يسهل اقتياده، شعب يبحث عن جناح زعيم يزعم أنه الحامي... وقلة قليلة فيه تتطلع إلى وطن، وهكذا لن يبنى هذا الوطن.

أذكر عندما دخلت الجامعة، المكان الذي يبدأ فيه الشباب بممارسة أولى نشاطهم السياسي، قال لي والدي جملة لا تزال عالقة في ذهني: "السياسيون في لبنان بيختلفوا وبيخلفونا وبيتفقوا وما بيخبرونا"... وهذا ما برهنته لي الأيام. نعم كل الأحزاب تبنى على أسس ومبادىء وأخلاقيات، يتماهى معها الشباب كل من موقعه، وهذا جيّد، ولكن للأسف العبرة ليست في الشعارات بل في الممارسات على أرض الواقع. 

أنهيت دراستي الجامعية وأخذتني تجارب الحياة وخبراتها إلى حقل بناء السلام وحلّ النزاعات، وهناك أدركت حجم الفجوة التي خلقتها السياسة بين الشباب اللبناني، الشباب الذي يقف على متاريس دفاعية للحزب الذي ينتمي اليه، وغالباً لا يتقبّل الآخرالمختلف عنه فقط في السياسة، فالهموم الحياتية تجمعهما، وبقوة. ومع الأحداث والتطورات كل مرّة يتلوّن اصطفاف الشباب بحسب تلوّن الاتفاقات أو الخلافات بين الأطراف السياسيين،وبالتالي فالمتحزبون، لأي حزب انتموا، لو مهما كانوا مثقفين ولكنهم في الواقع تابعون لشخص يقودهم، يتحدثون بمنطقه وأفكاره، تذوب شخصياتهم في شخصه وفي رؤيته وتطلعاته... وهكذا يمكننا أن نرى التناقض، لو مهما كان هذا الحزب متقدماً بالفكر، ولكن مواقفه تكون مبنية على معطيات يقيّمها شخص الرئيس، والمناصرون المتحزبون يتبنون. هذا لا يعني أن كل السياسيين على خطأ بالمطلق، فالبعض يطرح معادلات منطقيةوتجد الصواب في ما يقوله لو مهما كان في الواقع متبايناً عنك. الا أن ما بات مزعجاً حقاً، هذه التبعية العمياء للزعماء. وهنا لا أتحدث عن عامة الناس المحكومين بلقمة عيشهم أو بعواطفهم، أتحدث عن النخبة والتي عندما تسمع أفرادها يتحدثون تعجب بثقافتهم ولكن يصدمك تعصبهم عندما يتعلق الأمر بالسياسة.ويصدمك أكثر أنهم مستعدون لنبذك كإنسان، لو مهما كنت تحاكي عقلهم فكرياً، فقط لأنك ترى السياسة من منظار مختلف؛لا يتقبلون منك اسقاط الهالة القدسية التي يباركون فيها من يتبعون سياسياً. وفي هذه الحال، منطق المحاججة جاهز، أنظري إلى ذاك كم هو فاسد... نعم هو فاسد ولكن اذا كان كذلك فهذا لا يعني أن الضد يظهر حسنه الضد، نحن كشعب وكواعين يفترض أن نتطلع إلى حكم رشيد لبلد ينوء تحت كل أنواع التخبطات.. بلد تتزايد فيه حالات الاصابة بالسرطان بشكل مخيف، ويتفشى تعاطي المخدرات بين شبابه بشكل يدق ناقوس الخطر... وكل ذلك نتيجة للسياسات الفاسدة، السياسات التي تقاتل لمصالحها الشخصية على حساب صحة الناس وحياتهم، السياسيات التي تعبر بكل وقاحة على أرواح المواطنين لتسجّل انتصاراتها ومكاسبها.

هللنا للحكومة الجديدة بعد تسعة أشهر من التجاذبات والخلافات على الحصص، ربحونا جميلاً! حسناً، في الحكومة الجديدة شباب وتمثيل نسائي غير مسبوق وحماس للعمل يعطي جرعة تفاؤل، ولكن بمجرد أن نعود إلى كيف وصل هؤلاء الوزراء، ووفق أي معطيات ومحاصصات، ومن يتبعون ولمن يقولون "أمرك"، نكون أمام الأمر الواقع المتكرر، إن تغيّرت وجوههم ولكنهم في الحقيقةإفراز لنفس الطبقة السياسية التي حكمت البلد بالفساد والهدر والصفقات، وأوصلته إلى الحال المزري الذي هو عليه الآن... فكيف سنثق!

وهنا لا نسأل السياسيين، لأنهم قطعوا مرحلة الحياء وأخلاقيات الاعتراف بمسؤولياتهم بأشواط، نسأل النخبة كيف بعد كل ما فعله هؤلاء السياسيون في لبنان مازلتم تصدقوهم، تتبعوهم وتقاتلون الآخر لأجلهم؟ كيف يمكن أن نحلم بالخروج من هذه المآزق اذا كنا نفتقد لأبسط مقومات الثورة على الواقع... نفتقد للوعي وسلطة المحاسبة!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في