: آخر تحديث

أين المفر؟

1
1
1

من أصعب تحديات الحياة التي أصبح يواجهها اليوم كل أولئك الذين يُحرّم عليهم دينهم تناول أو استخدام منتجات الخنزير، الانتشار الهائل للأطعمة والمستحضرات الصناعية والدوائية والطبية الجراحية والتجميلية، وحتى الحربية، التي يدخل في إنتاجها منتج من الخنزير، بحيث اصبحت أية محاولة لتجنب استهلاك أو استعمال هذه المواد أمرا مستحيلا، فلا قراءة الملصقات تفيد ولا دراسة كل مادة على حدة تفيد، ولا الاستدلال والتعرف على الرموز والمصطلحات المشفرة للمكونات المأخوذة من الخنزير. حتى لو اقتصر استهلاكنا على ما يحمل كلمة «حلال» (Halal) أو «كوشر» (Kosher)، لا يعني بالضرورة صحة الادعاء، فجميع هذه الأمور يمكن التلاعب بها، وحتى تلك التي «يفترض» أنها تخضع لرقابة دينية.

قد يسهل الأمر على البعض توقفهم عن تناول الطعام خارج بيوتهم، واختيار المنتجات النباتية التي تعتمد على مصادر نباتية، مثل الصويا، الذرة والجليسرين النباتي، خاصة مع تزايد البدائل في الأسواق العالمية، لكن هذا يتطلب القيام بتضحيات كبيرة، لا طاقة لأحد تقريبا بها، وبالتالي من شبه المستحيل تجنب استهلاك المواد المخنزرة، خاصة إن كانت غير غذائية، كالمواد الجلدية وفراشي الشعر والأحذية، والأهم من ذلك الأدوية الخطيرة والضرورية. فقد تمكن العلماء مثلا من تحويل كلية خنزير من فصيلة الدم A إلى فصيلة الدم O وزرعها بنجاح، في خطوة علمية بارزة يمكن أن تُسهم في تقليص فترات انتظار عمليات زراعة الأعضاء وإنقاذ أرواح العديد من المرضى، وفقًا لما نشرته مجلة نيتشر بيوميديكال إنجنيرينج المتخصصة. ويُعد هذا الاكتشاف مهمًا على وجه الخصوص للمرضى من فصيلة الدم O، الذين يمثلون أكثر من نصف الأشخاص المدرجين على قوائم انتظار زراعة الكلى، فهؤلاء لا يمكنهم تلقي أعضاء إلا من متبرعين يحملون الفصيلة نفسها، في حين يمكن التبرع بالكلى من فصيلة O لجميع الفصائل الأخرى، مما يؤدي غالبًا إلى اضطرار فصيلة الدم O للانتظار لفترات أطول تتراوح بين عامين وأربعة أعوام، ووفاة عدد منهم أثناء الانتظار.

كما تُستخدم منتجات الخنزير ومشتقاته على نطاق واسع في العديد من الصناعات الطبية والتجميلية، وحتى في بعض المنتجات الحربية والصناعات الأخرى، فالجيلاتين المستخرج من جلد أو عظام الخنزير يدخل في صناعة كبسولات الأدوية، ويُستخلص الأنسولين، الجيد، من بنكرياس الخنزير، لعلاج السكري. وتُستخدم بعض الإنزيمات مثل البيبسين والتربسين (وغالبًا تُستخرج من الخنزير) في بعض أدوية الهضم أو كمضافات للصناعات الطبية. كما يُستخدم جلد الخنزير في ترقيع الحروق في العمليات الجراحية كخيار محدود عند عدم توافر بدائل بشرية مناسبة. كما تدخل مشتقات الخنزير في عمليات تصنيع بعض اللقاحات والمكملات الغذائية الطبية أيضًا، ويستخرج الكولاجين والإيلاستين من عظام وجلود الخنزير ويضافان إلى كريمات العناية بالبشرة والشعر ومكملات تجميلية. كما تدخل الأحماض الدهنية الحيوانية في كريمات البشرة، ومعاجين الأسنان، والصابون، والمستحضرات المعطرة، وبعض أنواع الشمع والزيوت المكررة، وصناعة أحمر الشفاه ومستحضرات التلميع والزيوت للبشرة، وفي صناعة الحلويات، والزبادي والجبن والشوكولاتة والبسكويت والآيس كريم. كما يستخدم شحم الخنزير (Lard) في صناعة المخبوزات، والكعك، والمعجنات. وأيضا يُستخدم دهن أو شحم الخنزير في مواد التشحيم وقطع غيار الآليات، وفي صناعة أنواع من الغراء واللاصق الصناعي، والدهانات الصناعية، قد تُستعمل الدهون الحيوانية كمثبت أو مكوّن إضافي، وفي الأصباغ. كما يدخل رماد أو عظم الخنزير في تكرير بعض أنواع السكر وفي صناعة الورق اللامع والأحبار المطبعية أو حتى في بعض مواد الإطارات والسيور الصناعية. وشعر الخنزير يُستخدم في صناعة فرش الرسم والتلوين بسبب متانته. كما تدخل في صناعة أغذية الماشية، وهذا يجعل الأمر أكثر صعوبة للمتدينين، كما يستعمل دهن الخنزير في تغطية الذخائر والطلقات، وفي تنظيف الأسلحة والذخائر. أمام كل هذا الزخم من الاستخدامات يقع المسلم في حيرة، ويتساءل: أين المفر؟


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد