محمد بن عيسى الكنعان
يغلب على ظني أن أغلبنا ممن يتعامل مع منصات التواصل الاجتماعي بشكل يومي؛ قد شاهد المقطع الذي أحدث تفاعلًا واسعًا ومنقطع النظير على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، بل وامتد تأثيره الإعلامي إلى خارجها، وأقصد به التجربة الاجتماعية التي قامت بها صانعة المحتوى الأمريكية نيكالاي مونرو من مدينة سومرست بولاية كنتاكي، وذلك باتصالها هاتفيًا بأكثر من 40 مؤسسة دينية أمريكية، سواءً في نفس ولايتها أو ولايات أمريكية أخرى، متظاهرةً أنها أم ولا تملك مالًا لشراء حليب لطفلها الذي يصرخ بجوارها من الجوع، حيث وضعت نيكالاي تسجيلًا لبكاء طفل في خلفية الاتصال. الغالبية العظمى من الكنائس التي تلقت الاتصال رفضت مساعدتها بشكل فوري، بل بعضها كان ردها وقحًا، وكنائس أخرى طلبت منها الانتظار بضعة أيام، وثالثة اشترطت عضويتها بالكنيسة، لكن في المقابل كانت الاستجابة السريعة من المركز الإسلامي بمدينة شارلوت بولاية كارولينا الشمالية، الذي جاء رده إيجابيًا ومباشرًا، فلم يسألوا السيدة المتصلة عن دينها، أو عرقها، أو جنسيتها، إنما سألوا عن نوع حليب طفلها لشرائه وأنهم بانتظارها لاستلامه.
لم تكن هذه التجربة الاجتماعية التي قامت بها هذه السيدة الأمريكية هي الحدث الحقيقي، بل في ردود الأفعال الإيجابية التي أعقبت انتشاره في منصات التواصل، والمشاعر الطيبة التي أبداها الشعب الأمريكي تجاه المركز الإسلامي، وتجاه الإسلام والمسلمين بشكل عام، لدرجة أن أحد المتفاعلين قال: إنهم كانوا مخدوعين بسبب الإعلام ضد الإسلام والمسلمين، وآخر وصفهم بالكرماء واللطفاء من تجربة العيش معهم، بل هذه الحادثة دفعت الكثيرين إلى البحث عن المعلومات الموثقة عن هذا الدين الذي يتعامل أتباعه ومؤسساته بقيم إنسانية سامية، كما أن كثير المتفاعلين كانوا مستغربين من أن المركز الإسلامي لم يسأل عن دين المتصلة، أو حتى عرقها إنما اهتم بشأن توفير حليب الطفل، ما يعكس الرقي الإنساني في التعامل.
تجربة اجتماعية بسيطة تمت من خلال مكالمة عابرة لم تستغرق دقائق نسفت تاريخًا طويلًا من التشويه الإعلامي، الذي كان يتعرض له المسلمون ليس في الولايات المتحدة فحسب، بل في العالم الغربي تحت ذريعة (إسلام فوبيا)، الذي كان عملًا عنصريًا ضد المسلمين، وفي حقيقته يستهدف الإسلام لزرع الخوف منه لتبرير مهاجمته. لقد مارس كثير من مؤسسات الإعلام الغربي التشويه الإعلامي عبر المعلومات المضللة، وملاحقة المسلمين بأكاذيب الإرهاب، وأباطيل حقوق الإنسان، ولكن عند أول اختبار عفوي ينكشف هذا التشويه على حقيقته، وتظهر حقيقة المسلم (المستهدف) بأنه نموذج للعطاء الإنساني والرقي الحضاري. تلك التجربة التي كشفت أزمة جهل الإنسان الغربي بالإسلام والمسلمين داخل حدود بلده، وأنه مُغيب فكريًا بفعل آلة الإعلام الغربي؛ تجعلنا لا نستغرب عندما يأتي إلى بلادنا، ويعيش بيننا، وينبهر من طريقة حياتنا، وأسلوب تعاملنا. سبحان الله سنوات من التشويه والحرب الإعلامية الممنهجة ضد دين المسلمين وقيمهم وعاداتهم فتأتي مكالمة تنسف كل ذلك وبأيدي الغربيين أنفسهم، الذين أشادوا بموقف المسلمين من أم مجهولة تطلب حليبًا لطفلها؛ لذلك ينبغي أن نستشعر عظمة ديننا وسمو قيمنا، ونجعل ذلك ممارسة يومية مع الآخر، فبهذا يصل الإسلام إلى كل أصقاع الدنيا، ويكتشفه الآخر بشكل عفوي، فالله سبحانه وتعالى أمرنا أن نبرّهم ونُقسط إليهم، وهذا ما فعله ذلك المركز الإسلامي فكانت النتيجة مذهلة.

