سارة النومس
مقارنة بسيطة بين بيئة اجتماعية يكثر عليها الملاحظات وأخرى، الأولى (جميع) أفرادها يستخدمون أسلوب (النقد الجارح) في الحديث وفي التعقيب عن شخص ما. والأخرى طبيعية قد يحدث فيها انتقادات ولكن يبقى الأسلوب صحياً خالياً من العبارات الجارحة.
هل مررت يوماً بشخص يتحدث بكل مثالية عن الأخلاق وأدب الحديث وعندما تكون وحدك معه يتحدث معك بأسلوب يفتقر إلى الأخلاق والعبارات الطيبة؟ كانت هذه الشخصية موجودة في المسلسل الشهير الأصدقاء (فرندز) عندما لم يصدق الأصدقاء الخمسة صديقهم السادس الذي اشتكى من سوء أدب رجل ما، لأنه باختصار كان لبقاً جداً معهم. ولكن يختلف الموضوع معه هو وعندما يكونون وحدهم بالتحديد فيبدأ بالانزعاج والصراخ وقذفه بالألفاظ النابية.
يكثر هؤلاء في التواصل الاجتماعي، ولنأخذ مثالاً: إحدى الممثلات العربيات تزوجت بعد الأربعين وكانت سعيدة جداً، والناس سعداء بهذا الخبر يرسلون عبارات التهنئة والمباركة، بين التعليقات الصحية والطبيعية لابد وأن تجد المختلين، الذي يغذون أرواحهم الشريرة بعبارات مهينة وقاذفة، ما الفائدة إذا لم تكن هنالك خلافات شخصية بين الشخص الذي ترك ذلك التعليق وبين الفنانة على سبيل المثال؟ خاصة في هذا الوقت الذي يعرف الجميع الخلافات الشخصية بين الناس بسبب نشرهم فضائحهم وخلافاتهم للعلن. ما الذي يدفع أناس لدخول الأخبار السعيدة وترك تعليقات سيئة؟
أنا لا أكتب لأعبر عن غرابة الموضوع فقد مرت عليَ شخصية كانت تقول لي: إنها تشعر بالراحة النفسية عندما تفرق بين أي زوجين حتى وإن لم تكن تعرفهما، لقد توقفت عن الاستغراب من كثرة الأمور المعقدة التي تحدث وتنم عن شخصيات مريضة تعيش معنا في المجتمع.
لقد كانت الناس تقول قبل عشر سنوات تقريباً، إن العديد من الشخصيات المشهورة والتي تظهر للعلن بأسلوب راق ومحترم لديهم حسابات أخرى من غير اسم معرف ليردوا على كل من أساء لهم بالمثل، لو كنت قد قرأت الرد بالمثل من حساباتهم الشخصية لن ألومهم على ذلك، اختيار حساب مزيف كي لا تتلوث الصورة الراقية لهذا الشخص ولكي يظهر نفسه بالشخص الذي يتجاهل التعليقات السلبية، لكنها في الحقيقة مؤذية جداً وتجاهلها سيتوقف إلى حد ما.
مشهد في الأفلام الأميركية، وصدمت من واقعيته في بعض الأماكن عندنا، المشهد هو تنمر مجموعة من الطلاب على طالب واحد ولمدة طويلة دون دفاع الآخرين عنه وتجاهل الهيئة التدريسية مع علمهم بذلك، وما إن يحين الوقت ليدافع الطالب عن نفسه بالرد بالمثل حتى تنهال عليه العقوبات واستدعاء ولي أمره والشكوى عليه، هل كانوا مصابين بالعمى؟ أم أن مظهر المجموعة المتنمرة يغذي الكراهية والشر بداخلهم حتى يرفضوا أسلوب الدفاع؟ لا ألوم بعض أولياء الأمور من ردود أفعالهم، ولم أكن أتصور أن المشاهد المستفزة تلك من الأفلام الأميركية هي واقع في الحقيقة وفي مجتمعات أخرى أيضاً.
اسألوا المحامين والأطباء النفسيين عن كمية العقد النفسية التي يعيش فيها المجتمع، والقصص الغريبة جداً التي تصدر من أناس لم يتوقع أحد أن يكونوا بهذه الصورة وقد يكونون قد احتاجوا يوماً لعلاج نفسي حتى فات الأوان دون ذلك، ولا تسألوا المعلمين فقد رأوا ما يكفي من نتائج الأمراض تلك على أطفال صغار لا ذنب لهم ولكنهم مشاريع صغيرة سلبية ستكبر مع الوقت.

