من أغرب المقابر التي قمت بالكشف عنها داخل مقابر الفنانين والعمال بناة الأهرامات بالقرب من هرم الملك خوفو بالجيزة، هي مقبرة لأحد رؤساء العمال، وهو الفنان بتتي وزوجته نس سوكر. ويبدو أن بتتي كان خائفاً على مقبرته من السرقة؛ لذلك استعان بساحر صنع له تمثالاً صغيراً من الطمي، ووضعه على مدخل المقبرة ممسكاً في يده اليمنى بخنجر. وكان هذا التمثال السحري أو التعويذة السحرية أول شيء أعثر عليه أثناء الكشف عن المقبرة، وفي الردهة الأولى شاهدت منظراً للفنان وزوجته واقفين وبجوارهما بعض الكتابات بالهيروغليفية. وقبل الدخول إلى حجرة الدفن مباشرة عثرنا على نصين كتابيين يحتويان على ما يعرف بنصوص اللعنة! أحدهما على اليسار لبتتي، والآخر على اليمين لزوجته التي تصورها مناظر المقبرة متساوية تماماً مع زوجها، ربما لأنها كانت تعمل كزوجها تماماً في بناء الأهرامات، ولذلك فقد تساوت معه في المناظر، وظهرت وهي واثقة من نفسها، وبلا شك فإن هذا هو ما أراد زوجها أن يظهره لأنه هو الفنان الذي نفذ رسومات المقبرة. أما نص اللعنة الخاص بزوجة بتتي فيقول:
أيها الأحياء أجمعين الداخلين إلى هذا القبر
من سيحاول مس هذا القبر بسوء فإن
الأسود ستفترسه في الأرض
والتماسيح ستقضي عليه في الماء
والثعابين ستلدغه في الأرض
وأفراس النهر ستحطم عظامه في الماء
والعقارب ستبث سمها في دمه على الأرض...
أما نص اللعنة الخاص بزوجها فقد اكتفى بذكر أن التماسيح والأسود وأفراس النهر سوف تفترس من يمس مقبرته. يبدو أن نس سوكر كانت أشد انتقاماً من زوجها وقد استعملت كل أسلحتها في سبيل القضاء على كل من يمس مقبرتها، بل وأشارت إلى أن الآلهة أيضاً تحميها. ويعني اسم نس سوكر، أي التي تنتمي إلى الإله سوكر وهو إله منطقة سقارة، والتي أخذت المنطقة اسمها من اسمه. وكانت هذه السيدة تحمل لقب كاهنة حاتحور سيدة الجميز.
وكانت المرأة في مصر القديمة تتقلد أحياناً بعض مناصب الكهنوت، وكان من أكثرها شيوعاً بين نساء الطبقات العليا، كاهنة حاتحور، ومع ذلك قد كشفنا عن هذا اللقب لامرأة في مقابر العمال من بناة الأهرام سواء في الجبانة السفلى أو الجبانة العليا، مما يدل على أن سيدات الطبقات الدنيا تقلدن هذا المنصب كما اجتمعت لنا من جبانة الجيزة طائفة ممن عملن كاهنات لحاتحور ونيت، ربة الحرب في مصر القديمة. ويبدو أن أغلب القائمين على خدمة حاتحور ونيت كن من النساء بحكم ضآلة عدد من سُجِّل من الرجال في مصادر تلك الحقبة كهاناً لحاتحور.
لم يتوقف عمل المرأة المصرية القديمة على الكهانة فقط، بل كانت هي العمود الفقري في العمل بمجمع المخابز الذي يمد العمال بالآلاف من أرغفة الخبز يومياً. كما عملت المرأة في المطابخ ومصانع إعداد البيرة والأسماك المملحة، واللحوم المحفوظة. وكل هذه المنشآت تم الكشف عنها بالقرب من المجمع السكني لبناة الأهرامات بالجيزة. وداخل المجمع السكني كانت النساء يعملن في حياكة الملابس، وقد قمت بالكشف عن مقبرة لسيدة حملت لقب القابلة، أي التي تساعد النساء أثناء الولادة. أما في موقع العمل فكانت النساء يعملن جنباً إلى جنب مع الرجال، ولكن في الوظائف التي لا تحتاج إلى مجهود عضلي مثل العمل ضمن فرق الإسعافات الأولية الموجودة في موقع العمل.