فنان حتى النخاع، هذا التعبير ينطبق تماما على الفنان التشكيلي الرائد عبدالله إدريس، كيف تصفه، مسألة محيرة قليلا، لأنه ملتزم بفنه إلى أبعد حدود الالتزام، وبوهيمي ربما إذا عرفت باقي شؤون حياته إلى أبعد حدود البوهيمية. وأشدد على ربما، لأن صفات البوهيمية تختلف من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر. ما قصدته، أن الفن هو العامل الأول والأساسي في حياة عبدالله إدريس، وما سواه عبارة عن رتوش أو طرق تساعده على إنتاج فنه والعيش في عالم فني بصفة عامة.
حين تتحدث معه فالحديث يبدأ وينتهي بالفن، قد يتخلله بعض الحديث عن الأدب، الصحافة، ذكريات عالم الكتابة لكن، يبقى الفن، هو المغلف لكل شيء.
كما تعلم الصحافة بممارستها، كذلك تعلم الفن بممارسته، حبه للفن جعله يقرر ترك الطائف البلد التي ولد وقضى فيها أول حياته، لينضم إلى عالم الصحافة والفن التشكيلي في جدة المدينة الكبيرة التي وجد فيها ما يريد، وبصعوبة البدايات، والنوم في المقاهي قبل الحصول على أجر يمكنه من تأجير مسكن يعيش فيه، لم يأت عبدالله من أسرة فقيرة، والده كان موظفا له مكانة لكنه منذ البداية كان مستقلا، وأراد أن يعيش حياته بطريقته، لهذا لم يلجأ لأحد لمساعدته، وهو شاب صغير، تعرف على عبدالحليم رضوي، الذي كان يستقبل الشباب المولع بالفن، وأرشده إلى الطريق الذي يجب أن يتبعه.
استمر في العمل كصحفي بارع، في جريدة عكاظ، التي حقق من خلالها خبطات صحفية كبيرة، وفي الفن، تعمق في دراسته ذاتيا، وتمكن من الوصول إلى مستوى رفيع، لأنه يقبل التحديات ولا يكف عن التجربة وهذا ما يجعل عبدالله إدريس، عبدالله إدريس.
محاط دائما بالقادمين إلى الفن التشكيلي، يتحدث معهم، يحاول مساعدتهم لفهم الفن ولتثقيفهم فنيا، في رأيه أن الخلفية الثقافية للفنان التشكيلي مهمة، وبدونها لا يمكن للفن أن يحمل قيمة حقيقية، يؤمن أن الفنان الناجح لا بد أن يمتلك أدواته الفنية والثقافية معا.
يمكنك أن تدرك هوسه بالفن إذا عرفت كيف يقضي أيامه، يعمل على لوحاته باستمرار وبحرص لا متناه، كان منوما في المستشفى قبل عدة أشهر، وأدركت وقتها أن هذا الإنسان لا يستطيع أن يحيا بدون ممارسة الفن، أحضر وهو منوم للخضوع لعملية عدة رسم من ألوان الباستيل، وبدأ يرسم على أوراق الجرائد، وأنتج مجموعة لوحات بديعة للغاية.
يمكنني أن أستمر في الحديث عن هذا الفنان لصفحات وصفحات، ويمكنكم أن تستمتعوا بالنظر إلى لوحاته، إذا سمعتم عن معرض له فلا تتأخروا، لأن النظر إلى لوحاته يمنحكم تجربة جمالية رائعة من فنان مختلف ورائع.