سلطان السعد القحطاني
بلغ الأمير محمد بن سلمان عامه الأربعين قبل يومين، لكن الأثر الذي تركه في السياسة السعودية والعربية والدولية يبدو أكبر من العمر وأوسع من التوقعات. لقد واجه تحديات متراكمة منذ عقود، وقرر أن يقفز بالسعودية إلى ما وراء الشرق المتعب والمثقل بالأزمات، ليضعها في مصاف الدول المؤثرة عالمياً.
منذ اللحظة الأولى، لم يعد اسم السعودية يرتبط فقط بكونها دولة مركزية في الشرق الأوسط، بل باتت منافساً عالمياً حقيقياً، ذات مصداقية سياسية وحضور وازن في الملفات الكبرى.
داخلياً، خاض الأمير معركة شرسة مع التشدّد الذي سيطر على المجتمع لعقود. كثيرون، وأنا منهم، كانوا يعتقدون أن التخلص من إرث التشدّد سيحتاج إلى عشر سنوات أو أكثر، لكننا فوجئنا بقدرة هذا الرجل على إنجاز المهمة في وقت أقصر وبأسلوب حاسم.
الكمال صفة إلهية، لكن الإصلاح وتطوير الأفكار من خصال البشر الشجعان. ومحمد بن سلمان اختار أن يكون في مقدمة هؤلاء، لا يكتفي بإدارة دولة مترامية الأطراف، بل يقود مشروعاً نهضوياً شاملاً يعيد تشكيل ملامح السعودية الحديثة.
تحت قيادته تغيّرت حياة ملايين السعوديات اللواتي دخلن سوق العمل والفضاء العام بكامل حقوقهن. لم يعد المستقبل السعودي غامضاً، بل صار مفتوحاً على احتمالات رحبة، بمشاريع عملاقة مثل «نيوم» و«رؤية 2030»، التي رسّخت فكرة أن التنمية ليست مجرد خطط ورقية، بل رؤية متكاملة تصنعها الإرادة.
لكن ما فعله الأمير محمد لا يقتصر على الداخل. ففكره السياسي ترك أثراً عميقاً في العالم العربي. لقد بدّد الصورة التقليدية عن الخليج بوصفه تابعاً أو متأخراً عن النماذج الأخرى. غيّر الفكرة اليسارية العربية التي طالما صوّرت الحداثة باعتبارها شأناً غربياً بعيداً عن ثقافتنا، وقلب المعادلة بإظهار أن الخليج قادر على إنتاج نموذج تنموي وسياسي مستقل وفاعل.
الأمير محمد بن سلمان أنهى عملياً ما يعرف بمرحلة «الصحوة»، التي حاولت عسكرة رجال الدين وتحزيبهم، فأضعفت المجتمعات وأربكت استقرارها. اليوم، أعاد الأمير الاعتبار لفكرة الدولة الوطنية السعودية الكبرى، التي تضع مصالح مواطنيها في المقام الأول وتمنحهم شعوراً بالانتماء لمشروع حضاري جديد.
واحدة من أبرز سمات نهج الأمير هي النفحة «الشركاتية» في الإدارة، حيث لم يعد مسموحاً للبيروقراطية أن تقتل المشاريع، بل صارت الحكومة تعمل بعقلية القطاع الخاص، تركّز على النتائج والسرعة والكفاءة. هذه الروح هي التي جعلت من مشاريع كبرى مثل «القدية» و«البحر الأحمر» و«ذا لاين» واقعاً يتشكّل على الأرض، لا مجرد أحلام في المخططات.
أما على المستوى الدولي، فقد ربح الأمير محمد بن سلمان احترام العالم؛ لأنه بدأ الإصلاح من الداخل وبالمسؤولين الكبار. حين طالت يد المحاسبة شخصيات نافذة كانت تعد عصية على المساءلة، أدرك العالم أن الرجل جاد، وأنه يملك الشجاعة ليفعل ما لم يفعله أحد قبله. هذه المصداقية هي التي جعلت السعودية لاعباً صعباً في السياسة العالمية، سواء في أسواق الطاقة أو في الملفات الأمنية أو في المبادرات الإنسانية.
في عيد ميلاده الأربعين، يبدو الأمير محمد بن سلمان رمزاً لجيل كامل يؤمن أن السعودية تستحق مكانها بين الكبار. مشروعه ليس مجرد رؤية اقتصادية، بل نهضة شاملة تعزز فكر الحداثة والتجديد، وتعيد إلى المنطقة ثقتها بنفسها.
الرمز السري لبوابة المستقبل السعودية صار عنواناً لمرحلة تاريخية جديدة ستذكرها الأجيال.