خيرالله خيرالله
لجأ الحوثيون إلى أسلوب احتجاز الرهائن. لم يجد هؤلاء ردّاً مناسباً على الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي شَتَّتَت الحكومة التابعة لهم في صنعاء، غير احتجاز موظفين تابعين للأمم المتحدة موجودين في المدينة.
ليس احتجاز الرهائن سوى أسلوب إيراني بامتياز بدأ في العام 1979 باحتجاز موظفي السفارة الأميركيّة في طهران طوال 444 يوماً بغية التوصل إلى صفقة مع إدارة رونالد ريغان التي خلفت إدارة جيمي كارتر.
لم يطلق الإيرانيون وقتذاك الرهائن الأميركيّة إلّا بعد حصول الانتخابات الرئاسية الأميركيّة التي خسر فيها كارتر أمام ريغان. كان ظهور كارتر في مظهر الرئيس الضعيف السبب الأساسي الذي أدّى إلى فشله في الحصول على ولاية رئاسية ثانية!
كان احتجاز موظفي السفارة الأميركية في طهران، في اعتداء صارخ على كلّ قواعد القانون الدولي، استهلالاً للتغيير الكبير الذي حصل في إيران مع انتصار «الثورة الإسلاميّة» وقيام النظام الجديد.
لايزال نظام «الجمهوريّة الإسلاميّة» يعتقد أنّ في استطاعته لعب دور القوّة المهيمنة في المنطقة... عن طريق ميليشيات مذهبيّة في العراق وسوريا ولبنان... واليمن.
في الواقع، ليس احتجاز موظفين دوليين في صنعاء سوى دليل على ضعف الحوثيين الذين يكشفون مرّة أخرى أن لا أفق سياسياً لمشروعهم اليمني الذي بات يلفظ أنفاسه، تماماً كما حال المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة.
ما الفائدة من احتجاز موظفين يعملون لدى وكالات للأمم المتحدة تعمل على مساعدة المواطن اليمني العادي والتخفيف من عذاباته؟
قبل الوصول إلى المرحلة الراهنة في اليمن، كان السؤال الطبيعي الذي لابدّ من طرحه: ما الذي فعله الحوثيون، باليمن وما الذي فعلوه، بمدينة آمنة مثل صنعاء، مدينة يتمتع أهلها الأصليون وأولئك الذين أقاموا فيها والذين جاءوا من كل أنحاء اليمن، بطباع الوداعة؟
بين كلّ المدن العربيّة، يظلّ لصنعاء ميزات خاصة بها، خصوصاً لدى من عرف أهل المدينة والمقيمين فيها ومجالسهم والحوارات الراقية في تلك المجالس التي كانت تضمّ أشخاصاً من طبقات اجتماعية وخلفيات مختلفة من كلّ المحافظات اليمنية.
لم يشعر من حضر تلك المجالس يوماً بأيّ فارق بين الزيدي والشافعي... إلى أن جاء الحوثيون إلى المدينة وتحكّموا فيها وفي أهلها وأرزاقهم ومستقبل أبنائهم، بما في ذلك المناهج التربويّة.
جاء الحوثيون للقضاء على كل ما هو حضاري في صنعاء. ليس استحضار الاعتداءات الإسرائيلية سوى جريمة من الجرائم التي لا يحصى عددها التي ارتكبها الحوثيون منذ ما قبل وضع يدهم على العاصمة اليمنية بتواطؤ مع الإخوان المسلمين الممثلين بحزب التجمع اليمني للإصلاح من جهة، والرئيس الانتقالي السابق عبد ربّه منصور هادي من جهة أخرى.
تولى عبد ربّه تغطية وضع الحوثيين يدهم على صنعاء في 21 سبتمبر 2014. فَعَل ذلك عندما رفض التصدي عسكرياً للحوثيين في محافظة عمران في طريقهم إلى صنعاء. ذهب إلى أبعد من ذلك، عندما وقّع مع الحوثيين في صنعاء «اتفاق السلم والشراكة».
كان ذلك بمباركة من الأمم المتحدة التي حضر ممثل لها (جمال بن عمر) توقيع الاتفاق.
يندرج ما يحصل حالياً بعد الضربة الإسرائيلية التي أدت إلى مقتل معظم أعضاء الحكومة اليمنية التابعة للحوثيين، بمن في ذلك رئيس الوزراء أحمد الرهوي وعشرة وزراء، في سياق الجرائم التي ارتكبها الحوثيون أو تلك التي تسببوا بها عندما قرّروا «نصرة غزّة» خدمة للمشروع الإيراني في المنطقة.
لم ينصر الحوثيون، غزّة في شيء. نصروا المشروع الإيراني في وقت شارف هذا المشروع التوسّعي على نهايته، خصوصاً في ضوء التغيير الذي شهدته سوريا والضربة التي تلقاها «حزب الله» في لبنان.
يظلّ أخطر ما في ممارسات الحوثيين، أو «جماعة أنصارالله»، التي يتزعمّها عبدالملك الحوثي ذلك العداء للمواطن اليمني. ما يحلّ بالمواطن اليمني آخر همّ لدى عبدالملك الحوثي الذي وضع نفسه في خدمة مشروع مفلس يقوم على فكرة إيجاد موطئ قدم لإيران في شبه الجزيرة العربيّة.
لا هدف من موطئ القدم هذا غير ابتزاز دول الخليج العربي من جهة، وإظهار أنّ في استطاعة إيران، من جهة أخرى، السيطرة على مضيق باب المندب الذي هو مدخل البحر الأحمر الذي تعبر منه السفن المتجهة إلى قناة السويس.
الأكيد أنّ تصفية معظم أعضاء الحكومة اليمنية التابعة للحوثيين تشكّل ضربة معنوية قويّة لهؤلاء. عملياً، لم يتغيّر الكثير إذا أخذنا في الاعتبار أن لا وزن سياسياً لمعظم أعضاء الحكومة، باستثناء قليلين منهم.
الوزن الحقيقي لدى الضباط ولدى مسؤولي الأمن الذين نجا معظمهم من الضربة الإسرائيليّة. لكن، على الرغم من ذلك كلّّه، وعلى الرغم من غياب قوّة تستطيع الاستفادة من أي ضربة يتعرّض لها الحوثون، لا يمكن تجاهل أنّ شيئاً ما تغيّر في العمق اليمني. هناك مناخ دولي وإقليمي بات مقتنعاً بأنّ الكيان الذي أقامته إيران حالة شاذة.
بغض النظر عن مدى تأثير الضربة الإسرائيلية الأخيرة، ومن قتل جراءها ومن نجا، بدأ العدّ التنازلي للكيان الحوثي في اليمن.
صحيح أنّ الحاجة تبقى إلى قوة على الأرض تهزّ الكيان الحوثي، خصوصاً على جبهة الحديدة، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها «جماعة أنصار الله» لا يمكن أن يبقوا ساكتين إلى ما لا نهاية أمام الظلم والحرمان اللذين يتعرضون لهما.
هل نهاية الحوثيين قريبة؟ تصعب الإجابة عن هذا السؤال.
الثابت أن مسألة تحرير صنعاء مسألة وقت. لا لشيء سوى لأن المشروع الإيراني، الذي يعتبر الحوثيون جزءاً لا يتجزّأ منه، على أفول. باتت «الجمهورية الإسلاميّة» مضطرة للدفاع عن النظام القائم في طهران بعدما كانت تدافع عنه عبر أدواتها الإقليمية مثل «حزب الله» وجماعة «أنصارالله»، وما شابههما!