: آخر تحديث

التباهي في السّفر

3
2
2

عبدالعزيز الكندري

تعوّد معظم الناس على السّفر في فترة الصيف، بحيث يسافر البعض للسياحة والتعرّف على الأماكن والآثار، وهناك نوع ثانٍ يسافر بحثاً عن الراحة بعد عناء العمل... والبعض يربط السفر مع إجازة الأبناء، لذلك كان الأبناء ينتظرونها بفارغ الصبر ويعدون الأيام والليالي.

وهناك فوائد كثيرة للسفر ولتغيير الأجواء والخروج من جو العمل من أجل التجديد والتعرّف على ثقافات الآخرين، والبحث عن الهدوء والتغيير والبعد عن الالتزامات وضغوط الحياة.

لكن مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، أصبحنا نشاهد سلوكاً غير سوي، وهو السفر من أجل التباهي والمفاخرة و«التفشخر» على الآخرين، وتصوير ذلك ونشره عبر منصات التواصل الاجتماعي، بهدف جذب الأنظار بدلاً من الاستمتاع بالرحلة! بحيث يتم تصوير كل شيء تقريباً، من بداية السفر إلى المطار والوصول، وكل تفاصيل السكن والأكل والمشرب واللبس، لدرجة أن البعض يحرص على اللبس والأكل والمطاعم من أجل التصوير وليس بغرض الاستمتاع، وهذا يبين وجود خلل كبير.

وهذا السلوك من التفاخر، دليل على وجود مشكلة في القيم، بحيث إنه لو سافر يريد إثبات المكانة الاجتماعية أو الحاجة للانتباه والقبول، وقد يكون تعويض النقص الداخلي لدى الشخص بسبب عدم الثقة بنفسه.

وفي عصر شبكات التواصل ظهر لدينا ضغط المقارنة الاجتماعية من خلال ما يراه في وسائل التواصل.

السفر تجربة مميّزة لدى الإنسان، لكن حين يتحوّل إلى وسيلة للتفاخر والمفاخرة يفقد معناه الحقيقي ويصبح مجرد عرض اجتماعي بدل أن يكون مصدر إثراء داخلي وراحة واستجمام.

ومن باب مواكبة ما يحدث، غابت عقول الكثير من الناس بسبب التقليد والمقارنة.

وما أود قوله، هو انه لا بد يكون هناك وعي لدى الناس والأُسر في ما يعرض، وليس كلُّ ما يشاهد صحيحاً، خصوصاً أن هناك أطفالاً يتابعون هذه المشاهد، فلا بد من بناء ثقافة صحية صحيحة تفرّق بين المظهر والجوهر.

ومن أبرز أضرار التباهي في السفر، خلق المقارنات والغيرة، بحيث يُشعر الآخرين بالنقص أو الفشل. وتوجد الغيرة والحسد، خصوصاً في ما يُعرض على وسائل التواصل، وفقدان المعنى الحقيقي للسفر، حيث يتحوّل الهدف من الاستكشاف والمتعة إلى التصوير والاستعراض والتباهي، بحيث يصبح السفر «للعرض» وليس للتجربة، كما يسبب ضغوطاً نفسية على الشخص نفسه، بحيث يكون بحاجة مستمرة لإبهار الآخرين ما يخلق توتراً نفسياً.

وعلاج ظاهرة التباهي في السفر، يبدأ من الشخص نفسه... اسأل نفسك: لماذا أسافر؟ هل للتجربة والمعرفة أم للظهور؟

اجعل نيتك الاستمتاع والتعلّم، لا إثبات شيء لأي أحد، وحاول تقليل النشر على السوشيال ميديا؛ لا توثّق كلّ شيء بل استمتع باللحظة بدل تصويرها وعِش فيها بكل حواسك، وشارك صورك لاحقاً إن أردت، لكن من دون استعراض أو مبالغة.

والبساطة في السفر من الأمور المهمة، سافر وفق قدراتك، لا وفق ما يُعجب الناس، وأفضل الذكريات لا تحتاج إلى فخامة بل إلى صدق، وقارن نفسك بنفسك، ولا تقارن رحلاتك أو صورك برحلات الآخرين.

ومن المهم لأبنائكم ولصحتهم النفسية والبدنية ولتحسين علاقاتهم الاجتماعية، استثمار الأوقات في أنشطة تضمن لهم الابتعاد ولو لساعات معدودة عن الهواتف الذكية وبرامج التواصل الاجتماعي، مثل القراءة والرياضة والتأمل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد