يستند الكتاب إلى تجربة المؤلف الشخصية في العيش والعمل بالصين، ورصده لما حققته الحكومة من مشاريع عملاقة، من جسور شاهقة وشبكات القطارات الفائقة السرعة والحديثة، ومصانع ضخمة، وصناعات متطورة، ويصف كيف أن «عقلية الهندسة» أوجدت نمواً اقتصادياً سريعاً، لكنها حملت أيضاً كلفة اجتماعية وسياسية ضخمة مثل الرقابة، والاتجاه لقمع الحريات، واتباع سياسات اجتماعية مثل طفل واحد للأسرة الواحدة. ويقارن وانغ بين الصين التي تحل المشاكل بمطرقة الهندسة، وأمريكا التي تلجأ إلى المرافعات القانونية والعراقيل الإدارية، فمعظم الرؤساء وأعضاء الكونجرس والمحكمة العليا درسوا القانون أو مارسوا المحاماة. حتى من لم يتخرج في كليات القانون، مثل دونالد ترامب، أتقنوا «ألاعيب المحامين» في رفع القضايا، واستغلال الثغرات القانونية، وتحويل أي قضية إلى ساحة صراع لا نهاية له. ويعرض الكاتب كيف تحتاج كل منهما لبعضٍ من مزايا الآخر: فالصين قد تستفيد من احترام الحريات الفردية، والولايات المتحدة بحاجة إلى جزء من روح البناء الطموح بالصين. ويضيف بأن نجاح الصين ليس معجزة، بل هو نتاج نموذج إداري وهندسي طموح، يجمع بين سرعة التنفيذ وحجم المشاريع، لكن بثمن حقوقي واجتماعي. والولايات المتحدة، وطنُ الكاتب، بحاجة إلى مرونة تنفيذية وإرادة بناء مفقودة في نظامها الحالي، مثلما تحتاج الصين إلى مناخ أوسع لإطلاق الإبداع الفردي وضبط تدخل الدولة.
ويكشف الكتاب عن رؤى جديدة في طبيعة المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، ويعالج بعمق التحديات والفرص التي تصنعها «الهندسة» والقانون في تشكيل مستقبل القوى الكبرى، وكيف ينشغل الكونجرس في جدالات حول قضايا الهوية وحقوق الأقليات والبيئة وحقوق الحيوانات، تتآكل قدرة الولايات المتحدة على بناء مشروع وطني جامع طويل الأمد.
ويتطرق الكاتب لتدهور صناعة السلاح في أمريكا، وتطورها السريع والمخيف في الصين، وكيف باتت أمريكا تستورد بعض المواد الأساسية وقطع الغيار من دول جنوب شرقي آسيا، بل وحتى من الصين نفسها، ويبدو أنه لم يتبقَ لأمريكا إلا الدولار، الذي تُجبر العالم على قبوله عملة دولية رغم أنها مجرد أوراق مطبوعة بلا قيمة حقيقية. لكن مع صعود الصين، وتنامي دور اليوان في التجارة الدولية، فقد لا يبقى للدولار حتى هذه الهيبة.
وفي الختام يدعو الكاتب للتأمل، فالقرن الـ20 كان أمريكياً، كما كان القرن الـ19 بريطانياً، وفرنسياً، وكان القرن الـ16 عثمانياً، وقبلها تعاقبت الإمبراطوريات: المملوكية، المغولية، العباسية، الأموية، الرومانية، الفارسية، وهكذا. واليوم، يبدو أن المشهد يتشكل ليكون القرن الـ21 قرناً صينياً بامتياز.
والخلاصة من وجهة نظري أنه بإمكان الصين حتماً أن تكون ما تريده، لكنها ستبقى لغالبية دول العالم، قوة صناعية وهندسية وعسكرية، ولا شيء أكثر من ذلك، لشبه استحالة خلق التماهي والتواؤم والانسجام الشخصي مع الفرد الصيني أو مع ثقافته ومجتمعه، مسرحه وكتابه وموسيقاه.. إلخ.
أحمد الصراف

