: آخر تحديث

من أين جاء شكل القلب؟

4
5
6

تعتبر صورة القلب النمطية، المتمثلة بـ«فصين مستديرين يلتقيان في نقطة واحدة»، رمز الحب العالمي، وصحة القلب، ونجد شكله في كل مكان تقريباً، على العيادات والصيدليات وبطاقات المعايدة، والمجوهرات، وملصقات السيارات، ولوحات مفاتيح الإيموجي، وحتى الحملات الإعلانية لدولة أو مدينة أو فريق كرة. ويكفي أن ما يصرف سنوياً في عيد الحب، أو فالنتاين، يقارب الثلاثين مليار دولار، علماً بأن هذا الرمز لا يشبه القلب البشري على الإطلاق، فمن أين جاء؟

تكمن الإجابة في تاريخ طويل شكّلته الفلسفة والطبيعة والفن، فهذا الشكل المألوف الذي نعرفه اليوم مستوحى من معتقدات قديمة حول ما يمثله القلب، وقبل وقت طويل من تحديد العلم الحديث لوظيفته الخطيرة، فقد نظرت ثقافات والمعتقدات الدينية لغالبية الدول للقلب على أنه مركز العاطفة والفكر، وحتى الروح، ولم يكن لديهم فهم يُذكر لأهمية الدماغ، وغالباً لأن المخ لا ينبض كالقلب، ولا يبدي تجاوباً عند اشتداد المشاعر. وكان الفراعنة يتركون القلب داخل الجسم، بعد تحنيطه، معتبرين أنه أهم من الدماغ. وفي الفلسفة اليونانية، وصف أرسطو القلب بأنه مصدر الإحساس والحياة نفسها. وكان يُعتقد أنه أول عضو يتكون في الجنين ومركز العاطفة البشرية. ومع قلة الوصول إلى تشريح الجسد البشري، اعتمد الفنانون والرسامون الأوائل على الاستعارة، مبتكرين أشكالاً منمقة ومتناسقة تعكس الدور الرمزي للقلب في الروح بدلاً من تشريحه الفعلي. وتشير إحدى أكثر النظريات إقناعاً حول أصل رمز القلب إلى الزراعة القديمة ورمزية النباتات، بدلاً من التشريح البشري. فقد كان نبات السيلفيوم مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالحب والخصوبة، ويعتقد بعض المؤرخين أن شكل جراب بذوره ربما أثر بشكل مباشر في تطور رمز القلب. وبحلول العصور الوسطى، بدأ رمز القلب بالظهور بشكل متكرر في الفنون، وفي الأدب الديني في أوروبا، وغالباً ما كان يرمز إلى الحب الإلهي أو الروحي. وفي الأيقونات المسيحية، صُوّر قديسون يحملون قلوباً مشتعلة أو يشيرون إليها، رمزاً لإخلاصهم لله. وبرز قلب يسوع الأقدس في الفن التعبدي في العصور الوسطى، مشدداً على مواضيع الحب والتضحية والرحمة، راسخاً بذلك رمزاً روحياً للقلب. وفي تفسيرات أكثر علمانية للقلب، بينتها مخطوطات من القرنين الـ13 والـ14 في تبادل المحبين لصورة القلب، حيث يقدم رجل قلبه، الذي يشبه إلى حد كبير الرمز الحديث، إلى محبوبته، وكانت هذه الرسوم التوضيحية المبكرة للقلب حمراء اللون ومتناسقة ومنمقة، لكنها لم تتبع دائماً اتجاه اليوم، فقد كان بعضها مرسوماً برأس متجه لأعلى، بينما كان البعض الآخر أكثر زاوية، وأسهم اختراع المطبعة في القرن الـ15 في توحيد رمز القلب ونشره في جميع أنحاء أوروبا.

وفي 1498، رسم ليوناردو دا فينشي إحدى أوليات الرسومات الدقيقة تشريحياً للقلب البشري، لكن تجسيده العلمي لم يكن له تأثير يُذكر على الرمز الرومانسي الذي كانت جذوره قد ترسخت في الثقافة الشعبية. ومع تطور عيد الحب وتحوله إلى عطلة رومانسية في إنكلترا وفرنسا، بدأ الرسامون والمطابع في إنتاج كميات كبيرة من البطاقات والهدايا التذكارية المزينة برموز كيوبيد والزهور وزخارف القلب. وفي العصر الفيكتوري، أصبحت القلائد على شكل قلب وبطاقات عيد الحب المزينة بالدانتيل تعبيرات عزيزة عن المشاعر. لم يعد رمز القلب مرتبطاً بعلم التشريح أو الفلسفة، بل تحول إلى رمز بصري للحب والتواصل العاطفي، وهو دور لا يزال يلعبه حتى اليوم في بطاقات المعايدة والرسائل النصية حول العالم، وتحول لتجارة تقدر بمئات المليارات.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد