: آخر تحديث

ليبيا: معركة طرابلس الأخيرة تأجلتْ مُؤقتاً

4
5
4

لولا لطف الله ورحمته لكانت العاصمة الليبية طرابلس تشتعل الآن بنيران حرب ضروس أخرى بين قوات الحكومة وحلفائها من جانب وقوات جهاز الردع وحلفائها من جانب آخر.

آخر الحروب بين الطرفين اندلعت في شهر مايو (أيار) الماضي، بعد تمكن قوات الحكومة من القضاء على واحد من أكبر قادة الجماعات المسلحة المدعو عبد الغني الككلي والمشهور باسم «غنيوة». ذلك النصر السريع وغير المتوقع شجع قوات الحكومة على المضي قدماً للتخلص من جهاز الردع المسيطر على مطار معيتيقة الدولي. لكن الرياح انقلبت وغيرت مسارها ضد قوات الحكومة.

على عكس الحروب السابقة، التي كانت في أغلبها تجري في مناطق بعيدة عن مركز المدينة، جرت حرب شهر مايو الماضي في قلب شوارع وميادين طرابلس بكافة أنواع الأسلحة. وكنتُ شخصياً شاهد عيان. وأدَّت إلى خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات. لكن توقف المعركة لم يكن يعني توقف العداوة. كان هناك شبه إجماع بين سكان العاصمة على أن معركة أخرى نهائية بين الحكومة وجهاز الردع قادمة لا محالة. وأن مدينة طرابلس لم تعد تسع الاثنين.

خلال الأسبوع الماضي، كان التحشيد بين الفريقين على أشُدّه. تكفلت المواقع الليبية على الإنترنت بنقل مشاهد عديدة لأرتال طويلة من سيارات مسلحة وصلت إلى المدينة من مناطق ومدن مختلفة استعداداً للحرب. لكن جهود الخيّرين من أهل الصلاح والحكمة نجحت في اللحظات الأخيرة في إطفاء فتيل الحرب.

هناك متلازمة في ليبيا بدأت في الظهور خلال السنوات الماضية بين الانتخابات والحرب. إذ كلما ظهر مبعوث أممي بخطة طريق جديدة، وبدأ السير في طريق التنفيذ قاصداً عقد انتخابات، تنشبُ حرب فجأة. الهدف من الحرب هو القضاء على خطة المبعوث الأممي وقطع الطريق أمام عقد انتخابات.

هذه المرّة تكرر الشيء نفسه. إذ بدأت التهديدات والتحشيدات بين القوتين مباشرة بعد عودة المبعوثة الأممية حنا تيتيه من تقديم إحاطتها لمجلس الأمن الدولي في نيويورك، ومن ضمنها خريطة طريق تدعو إلى تشكيل حكومة جديدة موحدة، وبمهمة عقد انتخابات.

الأطراف المتنازعة تتفق على ضرورة تنحّي الحكومة الحالية في طرابلس واستبدال أخرى بها. إلا أنَّ رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة يرفض بشدة التنحّي.

غياب الشفافية في ليبيا، وانتشار «الكولسة» خلف أبواب مغلقة، يفتحان الأبواب أمام الإشاعات، وفي الوقت نفسه يَحُولان بين المعلقين ومصداقية التحليل نظراً لغياب المعلومة. من ضمن الإشاعات المنتشرة أن حكومة طرابلس وقادة جهاز الردع دخلوا في مفاوضات تتعلق بتنفيذ مطالب الحكومة وأهمها تسليم المطار لوزارة المواصلات، والسجون لوزارة العدل، وتسليم نحو 150 من القيادات العسكرية التي كانت تتبع جهاز الدعم والاستقرار، ممن عملوا تحت قيادة عبد الغني الككلي وفروا بعد الهزيمة إلى جهاز الردع طلباً للحماية، بسبب ارتكابهم جرائم.

يقال إن المتفاوضين قطعوا شوطاً لا بأس به في المفاوضات، إلا أن خطة المبعوثة الأممية الجديدة، جعلت قادة جهاز الردع يماطلون في المفاوضات، على أمل أن تتغير الحكومة. تلك المماطلة أغضبت رئيس الحكومة، وأصدر تحذيراً نهائياً إلى قادة جهاز الردع بضرورة تنفيذ الطلبات خلال 48 ساعة، وإلا فسيتم اقتحام مقرات الجهاز بقوة السلاح.

طلباتُ رئيس الحكومة من قادة الجهاز تعدّ مشروعة، وتحظى بدعم أممي. إذ لا يعقل أن يظل المطار الوحيد بالمدينة تحت سيطرة جماعة مسلحة لا تنفذ تعليمات الحكومة. كما أنه من غير المشروع أن تظل السجون داخل المطار غير خاضعة لحكم القانون والقضاء وسيطرة وزارة العدل.

قادة الجهاز المذكور يرون أن خصومتهم مع الحكومة وضعتهم في خانة العدو. جهاز الردع لمكافحة المخدرات والجريمة المنظمة، كما يطلق على نفسه، يتبع رسمياً المجلس الرئاسي. لكن المجلس الرئاسي بلا حول ولا قوة. وهم يرون أن مطالب رئيس الحكومة حقٌّ أريدَ به باطل. بمعنى أن رئيس الحكومة يريد التخلص منهم، الأمر الذي ينفيه رئيس الحكومة.

المعركة الموعودة تأجلت حالياً. لكن الخصومة والعداوة لا تزال نيرانهما تضطرم في النفوس. وما لم يتغير مسار الأحداث بطريقة من الطرق، فلا مهرب من المواجهة بين الطرفين.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد