محمد الرميحي
الموضوع الأساسي في لبنان هو نزع سلاح «حزب الله»، والحزب لا يريد أن يفعل ذلك، تحت ذرائع مختلفة، غير أن قدرة الحزب على المناورة -يبدو أنها- قد أصبحت أقل مما يعتقد عدد من زعمائه.
قليل من خارج لبنان يعرف أنه في السنة الأولى لذكرى اغتيال الحريري، قررت أسرة الحريري إحياء الذكرى في «قريطم»، مقر الرئيس المغدور، وكان على رأس المعزين، أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله، وقتها عرفت الصحافة اللبنانية ما عُرف «باجتماع الساعات السبع»، وصل الأمين العام ليعزي في رجل قام -على الأقل- بالمشاركة في اتخاذ قرار قتله! وذلك من المشاهد السياسية اللبنانية «المحيرة»!
هذا هو لبنان، وهذه هي المناورات التي يتعامل بها الفرقاء، سحب سلاح «حزب الله»، سواء ما قبل الليطاني أو ما بعده، قراره ليس بيد أي قيادة في لبنان، قراره في طهران، وطهران ما زالت تعتقد أن الورقة اللبنانية هي أفضل ورقة لديها، بجانب الأوراق الأخرى، سواء كانت في حماس أو الحوثي في اليمن، كما أنها تطمح للعودة إلى سوريا بشكل ما، حتى لو كان من الشباك بعد أن خرجت من الباب.
لبنان لن تقوم له قائمة وفيه قوتان تحملان السلاح: «حزب الله» من جهة مع بعض الفصائل الفلسطينية الأخرى -وإن كانت أسلحتها أقل- ومن جهة أخرى الدولة والجيش اللبناني الذي هو أيضاً مكون من النسيج الاجتماعي اللبناني نفسه بطوائفه المختلفة.
يعيب كثير من المتابعين على الحكومة اللبنانية الحالية أنها متباطئة في نزع سلاح «حزب الله»، وما زالت إسرائيل تقوم بانتقاء بعض القيادات لـ«حزب الله» من أجل تصفيتها بين وقت وآخر، وهو اتفاق -كما يبدو- تمت الموافقة عليه، بأن تكون يد إسرائيل هي الطولى في لبنان، طالما أن «حزب الله» لم يسلم سلاحه.
القوة الحقيقية في لبنان المضادة لإسرائيل في مكان آخر، وهي التي يمكن أن تكون محط إزعاج لإسرائيل بشكل أكبر من سلاح «حزب الله».
القوة الحقيقية هي بناء دولة التعددية، يشترك فيها المسيحي باجتهاداته المختلفة، سواء كان كاثوليكياً أو مارونياً، والمسلم باجتهاداته المختلفة، سواء كان سنياً أو شيعياً، أو درزياً، وكذلك الأقليات الطائفية الأخرى مثل العلويين وغيرهم.
لو تم بناء الدولة اللبنانية على هكذا نموذج، وعلى قاعدة ديمقراطية، لأصبحت النموذج البديل. إسرائيل هي أيضاً دولة طوائف، منها اليهود الشرقيون، واليهود الغربيون، ولغات مختلفة، والدروز، والعرب السنة، والمسيحيون، هذه الطوائف في إسرائيل تتمايز في حقوقها القانونية -وإن بدت أنها متساوية- فمثلاً الإسرائيلي المسيحي لا يمكن أن يتقدم في الجيش أو الأمن الإسرائيلي، العربي أصلاً محروم، حتى الدروز يُستخدمون جنوداً محاربين تحت قيادات إسرائيلية.
إذن، فخلق النموذج البديل في لبنان يكشف إسرائيل أكثر مما يكشفها سلاح «حزب الله»، والذي تأكد اليوم بأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً مهما غطى مهماته بالشعارات والأهازيج.
أصبح سلاح «حزب الله» منفعة للبعض من أجل البقاء على رأس القوى المؤثرة في الداخل اللبناني، أما إذا قمنا بحساب قدرته على مواجهة إسرائيل، فإنها في الغالب صفرية، ولعلنا نذكر تصريح الأمين العام لـ«حزب الله» بعد حرب 2006 عندما قال بوضوح: «لو كنت أعرف أن هذا الدمار سوف يحدث -أي دمار حرب الثلاثين يوماً- لما قمت بما قمت به». في وقت لاحق تغيرت هذه السردية، وبدأت ماكينته الحزبية تقول لبيئتها السياسية إنه «نصر إلهي»! يذكر كذلك بالثنائية في تقديم العزاء بعد عام من مقتل رفيق الحريري من الأمين العام.
إذا لم تستطع الدولة في هذه المرحلة توحيد السلاح، وأيضاً اجتراح قانون انتخابي متوازن، غير هذا القانون القائم المعيب، فإن لبنان سوف يبقى -مع الأسف الشديد- «دولة فاشلة» مهما حاول البعض تغطية هذا الأمر بأقوال مرسلة.