كلنا نسمع هذا الصوت، هذا الحديث الصامت الذي يدور في عقولنا بلا توقف. أحياناً، يشجعنا ويطمئننا، وأحياناً، ينتقدنا بشدة ويحبطنا. إنه «الصوت الداخلي» أو «الحوار الذاتي»، وهو من أكثر العناصر التي تؤثر في سلوك الإنسان ونظرته لنفسه، لكنه غالباً يترك دون وعي أو تنظيم.
أظهرت دراسة أجريت من قبل مجموعة من الباحثين، ونشرت في عام 2005 في مجلة «علم النفس والعلاج النفسي» الصادرة عن الجمعية البريطانية لعلم النفس، أن طبيعة هذا الحوار الداخلي، سواء كانت نتيجته سلبية أو إيجابية، ترتبط ارتباطاً مباشراً بالصحة النفسية، إذ وجدت الدراسة أن الحديث الداخلي السلبي يرتبط بمعدلات أعلى من القلق والاكتئاب، بينما يرتبط الحديث الإيجابي بدرجة أعلى من التكيف والثقة بالنفس.
من أين يأتي هذا الصوت؟ سنجد أنه يتكون نتيجة تجاربنا المبكرة في الطفولة، وتحديداً الطريقة التي تحدث بها إلينا من حولنا، فالصوت الناقد قد يكون انعكاساً لعبارات سمعناها في الماضي: «أنت لا تنجح أبداً»، «لن تفعل شيئاً صحيحاً»، ويستمر هذا الصوت بالتكرار حتى بعد أن نكبر، وكأننا أصبحنا خصوماً لأنفسنا.
في المقابل، بعض الناس يطورون صوتاً داخلياً متسامحاً ومرناً، لتذكيرهم بأن الخطأ جزء من التعلم، وأن المحاولة أفضل من التردد. وهذا النوع من الحوار الذاتي لا يأتي بالصدفة، بل يمكن بناؤه بالتدريب والمراجعة المستمرة لما نقوله لأنفسنا.
واحدة من الطرق المقترحة لتحسين الحوار الذي يدور بداخلنا، هي «إعادة الصياغة»، أي استبدال العبارات السلبية ببدائل أكثر واقعية وإنصافاً. مثلاً، بدلاً عن قول «أنا فاشل»، يمكننا أن نقول «أنا لم أنجح هذه المرة، لكني أستطيع أن أتعلم وأحاول من جديد». هذه التعديلات البسيطة لا تزيف الحقيقة، لكنها توجه العقل نحو زاوية أكثر توازناً، وأكثر إشراقاً.
الصوت الداخلي ليس مجرد خلفية ذهنية، بل هو قوة مؤثرة تحدد قراراتنا ومواقفنا وحتى علاقاتنا. ويمكننا تشبيهه بالعدسة التي نرى بها أنفسنا والعالم، فإن كانت العدسة مشوشة وسوداوية، فإن كل شيء يبدو قاتماً. أما إذا كانت صافية ومتزنة، فإننا نبدأ برؤية الواقع كما هو، ونجدد قدرتنا على التعامل معه بهدوء ووعي.
في النهاية، قد لا نختار دائماً ما يحدث لنا، لكننا، بالتأكيد، نستطيع أن نختار كيف نتحدث إلى أنفسنا عنه، لأن أقرب علاقة في حياتك، هي علاقتك بنفسك، فاحرص على أن تكون فيها أكثر لطفاً.
www.shaimaalmarzooqi.com