موسى بهبهاني
نستقبل شهر محرم الحرام وبالأخص العاشر منه بإحياء ذكرى أليمة على قلوبنا بل على الإنسانية جمعاء وهو يوم استشهاد سبط نبي الرحمة الإمام / الحسين بن علي عليه السلام.
فمَنْ منا يجهل مكانة الإمام الشهيد بكربلاء؟
فهو شخصية محورية في التاريخ الإسلامي، ومحبة الإمام الحسين عليه السلام متأصلة في قلوب الإنسانية جمعاء، ويحظى بمكانة عظيمة عند المسلمين.
قال عنه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله:
—( حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ )
-( إنْ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا وَقَرَتا عَيْنِيٌّ )
-( إنْ الْحَسَنَ والحُسينَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ سَيِّدا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ )
-( الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ ابْنَايَ، مِنْ أَحَبَّهُمَا أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أُحِبُّه اللَّهُ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا أَبْغَضَنِي، وَمَنْ أَبْغَضَنِي أَبْغَضَهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ أَدْخَلَهُ النَّارَ )
-( خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَمَعَهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ هَذَا عَلَى عَاتِقِهِ وَهَذَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَهُوَ يَلْثِمُ - أَيْ يُقْبَلُ - هَذَا مَرَّةً وَهَذَا مَرَّةً حَتَّى انْتَهَى إِلَيْنَا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تُحِبُّهُمَا؟ فَقَالَ: (عَلَيْهِ السَّلَامُ) نَعَمْ، مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي )
فعلاقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بولده الحسين (عليه السلام) علاقة متميزة وفريدة مليئة بالحب والعطف والحنان، لدرجة أن بكاءه كان يؤذيه ولا يتحمل سماعه.
( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى )
فماذا فعلوا بريحانة رسول الله؟
فاجعة كربلاء
تعرّض الإمام الحسين سبط النبي الأكرم، لأحداث دامية فبعد تشكيل طوق محكم وحصاره وأهل بيته وأصحابه الميامين، مُنع الإمام وأهل بيته وأصحابه من الوصول إلى الماء العذب لمدة ثلاثة أيام قبل استشهاده، فقد منعوهم من الماء بعد أن حاصرهم في كربلاء، وذلك بناءً على أوامر والي الكوفة.
ففي صباح يوم العاشر من محرم بدأت المذبحة الكبري في التاريخ، ألوف الجنود بمواجهة ثلة من المؤمنين بقيادة الإمام الحسين، وأهل بيته وقلة من الأصحاب، وبعد استشهاد شباب آل البيت والأصحاب الميامين، حمل الحسين طفله الرضيع (عبدالله) وخطب بالقوم:
قتلتم أنصاري وأولادي، و ما بقي غير هذا الطفل، الذي يتلظى عطشاً فارحموه، فرماه حرملة بن كاهل الاسدي، بسهم فوقع في نحره فذبحه من الوريد إلى الوريد وهو محمولٌ بيد أبيه!
فوضع الحسين، كفه تحت نحر الطفل فلمّا امتلأت دماً رمى به إلى السماء، و قال: هوّن عليّ ما نزل بي إنه بعين الله.
ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بالمُثلة المحرّمة، بالأجساد الطاهرة بعد الموت، ويدل ذلك على خسة نفوسهم وخبثها، قاموا:
1/ بسحق جسد الحسين بحوافر الخيل حتى رضوا ظهره الشريف.
2/ تمَّ سلبُ خاتمه بعد قطع إصبعه.
3/ حرقوا الخيام وروعوا النساء والأطفال.
4/ جزوا الرؤوس خاصة رأس سيد شباب أهل الجنة (الحسين) ورفعوهم على الرماح وساقوا الحرائر أسارى إلى قصر الحاكم في الكوفة، ثم المسير بهم إلى قصر الشام...
قصة مؤثرة ومؤلمة، فبمجرد أن نذكر تلك الأحداث الدامية وبالرغم من أننا لم نعاصر ذلك الزمان، نشعر بالألم الشديد والحزن العميق اللذين لا يوصفان، في الحقيقة هي جريمة كبرى لا يستطيع الإنسان السوي أن يتحملها، فيهل دمع العين عليكم مدراراً يا ابا عبدالله.
فالإمام الحسين للجميع دون استثناء.
ونستذكر الماضي الجميل فى الكويت حيث كانت المجالس والحسينيات القديمة تحتضن الكويتيين رجالاً ونساءً وأطفالاً، فالكويتيون أسرة واحدة لا يفرقهم شيء، فمن بين الحضور في الحسينيات يتوافد أفراد من مختلف العوائل الكويتية باختلاف انتماءاتهم وكذلك أفراد من أسرة الصباح الكرام، يحضرون ويستمعون إلى الخطباء، منهم ملا عابدين، والشيخ عبدالرزاق البصير، والجريدان، وغيرهم الكثيرون ممَنْ كانوا يعتلون المنابر الحسينية ويقرؤون يوم العاشر من محرم، قصة مقتل واستشهاد الامام الحسين، والكل يستمع ويتألم مما حدث من أحداث دامية للإمام الشهيد وأهل بيته الطيبين وأصحابه المنتجبين.
وأتذكر في حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي أن الجيران في الحي (الفريج) يجتمعون في شهر محرم حباً للنبي الأكرم وأهل بيته الطيبين.
أتذكر عندما كانت (والدتي) رحمها الله، تقوم بإحياء المجالس الحسينية وخاصةً فى اليوم العاشر منه، ويتوافد إلى منزلنا أمهاتنا الغاليات (رحمهن الله) من الجيران الكرام في الفريج من الأسر الكريمة: ( الجوهر، النهام، الجلاهمة، عبدالغفور، الحجرف، الفرج، مختار، مقدم، الفقعان، كرم، المحمد علي، الزلزلة، النجم ) حيث كان يتم إعداد وتجهيز وطبخ الطعام على حب آل بيت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام.
وذلك يُجسّد جوهر مبدأ التسامح وقبول الآخر مهما كان، وتلك فضيلة راسخة في وجدان أهل الديرة، والكويت مثلت عبر تاريخها مثالاً يُحتذى به في التسامح بكل أشكاله وخاصةً دينياً، فنجد كل مَنْ يسكن في هذه الأرض الطيبة بمختلف الطوائف يحيون شعائرهم وفق القوانين المتبعة في البلاد.
وهذا ما جُبل عليه أهل الكويت حكاماً وشعباً منذ القدم، وندعو المولي عز وجل ان يديم علينا بالخير ويدفع عنا كل بلاء ومكروه.
السلام عليك يا أبا عَبْدِاللهِ
وَعَلَى الأرواحِ التي حَلَّتْ بِفِنائِك
عليك مِنّي سَلامُ الله أبداً
ما بَقيتُ وَبَقِيَ الليل وَالنهار
ولا جَعَلهُ الله آخر الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكم، السلام عَلَى الْحُسين وَعَلى عَلِيِ بن الْحُسَيْن وَعَلى أولاد الحسين وعلى أصحابِ الحسين.