: آخر تحديث

طرابلس واحتمالات الحرب

5
6
4

أبانت الحرب الأخيرة في طرابلس أشياء كثيرة -لم تكن سرّاً مخفيّاً في الحقيقة- بأن أظهرتها إلى السطح، وجعلت الأمور تبدو أوضح من الوضوح أمام الليبيين في كل مناطق ليبيا ومدنها. وذلك بتأكيدها أن الأزمة وصلت إلى درجة من التعقيد والتأزم، بحيث لا سبيل للخروج منها بالتفاوض مثلاً أو بالتوافق والتصالح، لأن الجسور أحرقت أو دُمرت. وبالتالي، فإن الحلَّ العسكري يكاد يكون، في رأيي، هو المنفذ الوحيد المتبقي أمام كل الفرقاء، عملاً بالمثل: «الكي بالنار آخر الحلول». وما لم يحدث ذلك، فإن الأزمة قد تستمر على المنوال نفسه، وتزيد في حدّة الخصومة بين كل الفرقاء ربما إلى ما لا نهاية. وهو أمر غير مقبول، إن لم يكن في عداد المستحيل، كونه ينعكس على كل البلاد سلبياً، بإصابتها بالشلل. وفي الوقت ذاته، حدوثه سيكون كارثياً، لأن شوارع طرابلس وميادينها ومناطقها وغيرها من المدن، ستكون ساحاته.

كل الطرق المتاحة أمام المراقب لتحليل الوضع تقود إلى الاستنتاج أعلاه، واضعين في الحسبان إخفاق بعثة الأمم المتحدة في فتح ثغرة بالجدار تقود إلى الخروج من الأزمة سلمياً عبر إجراء انتخابات.

وفي حالة حدوث الحرب، يتوقع اتساع رقعتها خارج طرابلس، لتشمل جماعات مسلحة في مدن أخرى: الزاوية، ومصراتة، ورشفانة، والجبل الغربي. الرابحون في تلك الحرب سوف يرفعون راياتهم وهم واقفون على كومات من أنقاض ورماد.

التحليل أعلاه ربما يعدّه كثيرون تشاؤمياً، ويفتقد للواقعية، وتجاوز كل الخطوط بكل الألوان. وبالطبع، هناك من يراه واقعياً، وقابلاً للتحقق. ويظلّ من المهم التذكير بأن آراء الفريقين ليست بالأهمية ذاتها، لأنه كما يقول مثل شعبي ليبي: «حسابات الرايس غير حسابات البحري». والمعنى، أن ما يجري وراء الكواليس، سواء في معسكر رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة أو في معسكرات خصومه، وما يدبرون من سيناريوهات، هي التي يتوجب أن تحظى بالأهمية، والتركيز.

على الجانب الآخر من الأزمة، يتابع المشير خليفة حفتر من مقر قيادته في مدينة الرجمة، شرق بنغازي، ما يحدث في طرابلس، وقد تعهد المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» خلال احتفال بالذكرى 11 لـ«عملية الكرامة» بأنَّ القوات المسلحة «كانت وستظل رهن إشارة الشعب، وصاحبة الكلمة الأولى والأخيرة»، وقال: «ستكون الكلمة الفصل لها في اللحظة الحاسمة». وهي كلمات تحمل تأويلات كثيرة نأمل ألا تقود إلى صدام وحرب جديدة. ويشاع أنه خلال الحرب الأخيرة في المدينة، أمر قواته بالتحرك غرباً نحو مدينة سرت لإرباك الجماعات المسلحة في مصراتة، التي يقال إنَّها تراجعت تحسّباً لأي محاولة من قوات المشير للاتجاه نحو المدينة.

يرى البعض أن تحريك المشير قواته غرباً نحو مدينة سرت لم يكن بغرض الصدام، بل بهدف حرمان رئيس الحكومة في طرابلس من دعم قوات مدينة مصراتة، وهو تحليل أقرب إلى الصحة والواقع.

يوم السبت الماضي، وبتخطيط من رئيس الحكومة في طرابلس عبد الحميد الدبيبة وفريقه الاستشاري، خرجت مظاهرات في شوارع العاصمة الليبية طرابلس تُطالب بنهاية الجماعات المسلحة (الميليشيات). تبين فيما بعد أن المتظاهرين، (حسبما قيل)، كانوا مأجورين، أي أنهم تلقوا مبالغ مالية مقابل وجودهم في ميدان الشهداء، ولا يعرف ما إذا كان هذا مجرد ادعاء أم لا. المظاهرة هدفها الأساسي إبراز الدعم الشعبي لرئيس الحكومة، وردّ مباشر على مظاهرة احتجاجية قام بها ما يُسمى «الحراك الشعبي» في الميدان نفسه في اليوم السابق، وتطالب بذهاب رئيس الحكومة، وتعيين حكومة جديدة. ووعد قادة «الحراك الشعبي» بمظاهرة مليونية يوم الجمعة المقبل.

المظاهرات السلمية الشعبية هذه، في رأيي، لن تقود إلى رفع رئيس الحكومة في طرابلس الراية البيضاء، والقبول بالخروج من المسرح، وفي الوقت نفسه لن تزحزح قادة الجماعات المسلحة في المدينة عن مواقعهم مقدار بوصة واحدة، بأن تقنعهم بتسليم أسلحتهم ومعسكراتهم للحكومة. واستمرارها سوف يرفع من درجة حرارة الخصومة، ويزيد من سكب الزيت على نار العداوة المشتعلة. ومن المتوقع أن تفضي إلى أمرين: الأول نفاد صبر الحكومة والجماعات المسلحة منها، ولجوء أحد الطرفين إلى استخدام العنف ضدها، وهو احتمال ضعيف. الآخر، والأخطر، لجوء الطرفين فجأة إلى حسم الصراع عسكرياً، وهو الأرجح والأسوأ.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد