خالد بن حمد المالك
تصنِّف أمريكا ميليشيا الحوثيين في اليمن على أنها منظمة إرهابية، وكانت تقوم بغارات يومية متواصلة ضد هذا التنظيم قبل الاتفاق على استسلام الحوثيين والتزامهم بعدم تعريض الملاحة في البحر الأحمر لهجماتهم، وبعد أن وصلت أعداد الغارات اليومية ما بين عشرين وثلاثين وأربعين غارة، لم يكن واضحاً: هل الهدف من هذه الغارات منع الحوثيين من تهديد الملاحة في البحر الأحمر، أم أنها للقضاء على هذا التنظيم الذي تعتبره واشنطن منظمة إرهابية؟!.
* *
وعلى كثرة الضربات الأمريكية وتواصلها، وعلى ما تقول أمريكا بأنها تستهدف مخازن الأسلحة، ومصانع الصواريخ والمسيِّرات ومنصات إطلاقها، ومخابئ قادة الحوثيين، فإننا لا نرى أثراً كبيراً وحاسماً للقضاء على قوة هذا التنظيم، اعتماداً على المعلومات الشحيحة التي تعلن عنها أمريكا وتنظيم الحوثيين.
* *
وإذا نظرنا إلى عدد الضربات، واستمراريتها يومياً، ومُضي أكثر من شهر منذ بدئها وإلى أن أعلن عن هذا الاتفاق بوساطة من سلطنة عُمان، فيما كان الحوثيون لا يزالون قبل الاتفاق يطلقون صواريخهم ومسيَّراتهم على البواخر في البحر الأحمر وعلى إسرائيل، أدركنا أن تأثير الهجوم الأمريكي على مواقع منتقاة للحوثيين في أكثر من مدينة وموقع لم يكن له الأثر الكبير الحاسم في تقويض قوة الحوثيين، وجاء الاتفاق ليساعد الحوثيين على الاحتفاظ بقدراتهم القتالية.
* *
ربما لا يكون الهدف الأمريكي القضاء على الحوثيين بشكل كامل، بقدر ما هو لتحييدهم عن إرسال مسيِّراتهم إلى البواخر التجارية في البحر الأحمر والممرات الدولية وإسرائيل، وبالتالي منعهم من استهداف التجارة العالمية عبر الناقلات العملاقة في البحر الأحمر، أي أن يظل الحوثيون قوة تسيطر على شمال اليمن، ولكن دون أن تؤذي حركة الملاحة في البحر الأحمر، وهذا ما نص عليه الاتفاق بعدم تعريض الملاحة البحرية لضربات والتزام الحوثيين بذلك.
* *
إذا صح هذا الاستنتاج، فإن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، ربما تكون مع وجود الحوثيين بما هم عليه من قوة عسكرية، لكن دون تعريض الملاحة في البحر الأحمر للخطر حتى وإن كان في ذلك ما يزعزع الأمن في المنطقة، وبما يجعل اليمن في وضع مستقبلي غامض، فأمريكا لها مواقفها في التعامل مع القضايا الشائكة في المنطقة، وتفضِّل أحياناً عدم معالجتها بشكل حاسم، وعلى النحو الذي ينهي التوتر.
* *
وإذا ما نظرنا إلى العلاقة بين إيران والحوثيين، والدعم العسكري الذي يتلقاه هذا التنظيم من طهران، ربما جاز لنا القول - كوجهة نظر أخرى - بأن من أسباب الضربات الأمريكية للحوثيين التي توقفت الآن بموجب ما تم الاتفاق عليه بين أمريكا والحوثيين، أن واشنطن ترى أن هذا التنظيم هو أحد أذرعة أو وكلاء إيران في المنطقة، ولا بد من فصل هذا التزاوج في العلاقة لإضعاف إيران أكثر منه لإضعاف الحوثيين بالكامل، تماماً مثلما حدث مع حزب الله في لبنان.
* *
ومهما تعددت الآراء في تفسير الهدف من الهجوم الأمريكي المتواصل على مواقع الحوثيين ثم المفاجأة في إيقافه، فإن أكثر ما يشغل أمريكا المؤكد في المنطقة أن تكون إسرائيل آمنة، وتمكينها من مواصلة الاعتداء على الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين، وتهديد غيرهم بقوة السلاح الأمريكي، مبررة ذلك بأن إسرائيل تدافع عن نفسها، وأن هذا الدفاع مشروع، ومن حقها.
* *
كنا نود من أمريكا أن تحيط العالم، وتحديداً دول المنطقة، بتفاصيل كاملة عن تأثير وأثر هذا الهجوم الذي تتحدث الولايات المتحدة على أنه رسالة لإيران كي تقبل بتفكيك مفاعلها النووي، وإلا واجهت ما كان يواجهه الحوثيون.
* *
نحن أمام لعبة سياسية، تديرها أمريكا بالتهديد حيناً، وبالدعوة إلى الحوار أحياناً أخرى، وبالاتفاق السلمي مع الحوثيين مؤخراً، لكن يبقى السؤال: عن ماذا تخطط له واشنطن، وماذا بعد هذا الاتفاق؟.