طلال أبو غزالة
أكتب إليكم من واقع تجربة طويلة خبرت فيها الأيام وعشت تقلباتها لحظة بلحظة، تعلمت أن الاستقرار لا يأتي صدفة وأن السماء لا تمطر ذهبا، وأن على الانسان السعي والأخذ بالأسباب والتوكل على مسبب الأسباب.
ففي كل مرة شهدت فيها مؤسسة تنهض أو تنهار أدركت أن المسألة ليست فقط في الفكرة أو الشغف، بل في العمود الفقري لأي مؤسسة وهو الأمان المالي، والأمن المالي ليس ترفا ولا رفاهية، بل هو الأداة التي تمكنك من الاستمرار عندما تتغير الظروف فجأة وهو ما يحفظ الكرامة المهنية في وجه الأزمات.
لهذا السبب، كان قرارنا في مجموعة طلال أبو غزالة العالمية ألا نترك أمر السيولة للظروف، بل صممنا لها فلسفة واضحة قائمة على الاستعداد المسبق لا على ردود الأفعال، فلم ننتظر وقوع الأزمات كي نتعلم، بل تعلمنا من كل تجربة وصنعنا منها نظاما يحمي المؤسسة وموظفيها.
هذه الفلسفة لم تولد من فراغ جاءت بعد أزمات صعبة أزمة احتلال الكويت عام 1990 الانهيار المالي في لبنان 2019 ثم جائحة كورونا 2020 وكل مرة كنا نخرج منها أقوى لأن السيولة كانت موجودة لا محفوظة فقط، بل تدار بحكمة واقتدار.
ولأن السيولة ليست أرقاما على الورق، بل حياة مستمرة ربطنا عملياتنا المالية حول العالم بمركز رئيسي واحد في عمان تحت إشراف مباشر ومن دون أي هامش للارتجال أكثر من مئة مكتب في العالم تدير سيولتها من نقطة واحدة من خلال البنك المركزي الأردني بما يسمح بالرقابة والسرعة والدقة.
ومن هذا النظام تضخ سنويا أكثر من مئة مليون دولار إلى الاقتصاد الأردني من القطاع الخاص وهذا دعم حقيقي مستمر نابع من الثقة بالمؤسسة وببلدنا العظيم، ووراء هذا النظام إدارة يومية لحركة نقدية تتجاوز نصف مليون دولار ورواتب تصرف شهريا بأكثر من خمسة ملايين دولار للمكاتب العالمية، وأكثر من مليون دينار لموظفينا في الأردن.
ورغم حجم العمل نحن حريصون على ألا يضيع يوم واحد دون إنتاج لأن كلفة اليوم غير المنتج تصل إلى مئة وستين ألف دولار والمسألة ليست فقط مالية، بل مبدئية لا نترك فرعا يتأخر ولا موظفا بلا دعم لأن في كل تأخير خسارة للثقة قبل أن تكون خسارة للمال.
ولأننا لا نعيش خارج الزمن ولا ندّعي أننا بمنأى عن مصير الإنسان فإن من أسباب احتفاظنا بالسيولة أيضا هو إدراكنا لحقيقة مُرّة لكنها واقعية في حال غيابي أو وفاتي لا بد أن تستمر المؤسسة خلال فترة حصر الإرث التي قد تعيق الكثير من القرارات الإدارية أو المالية لكن السيولة المتوفرة والمدارة مسبقا تضمن استمرار العمل بلا ارتباك، فلا أحد يتوقف ولا موظف يتأخر راتبه، ولا فرع يتأخر عن التزامه، والمؤسسة تستمر لأنها أعدت لتستمر..
نموذجنا هذا في إدارة السيولة ليس رفاهية ولا استثناء هو ضرورة لكل مؤسسة تحلم أن تكون عالمية.
وختاما.. أقول: لا تنتظر السقوط حتى تتعلم، انظر حولك وتعلم من صمود الآخرين؛ لأن السيولة إن لم تدار بعقل تحولت إلى عبء لكن حين تدار بحكمة تصبح ضمانة واستمرارية وسببا في صناعة التاريخ.