: آخر تحديث

القيادة الملهمة

2
1
1

في زمن التحولات الكبرى، تبرز شخصيات لا تكتفي برسم الرؤى بعيدة المدى، بل تتقن فن تحويلها إلى واقع ملموس، وتسهر على متابعة تفاصيلها بدقة، وتصنع الفرق بين الحلم والتنفيذ. ومن بين تلك الشخصيات الفارقة في التاريخ الحديث، يتجلى سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قائدًا ملهمًا لا يكتفي بصياغة الطموحات، بل يتابع سيرها بكل يقظة ومسؤولية.

تجلت ملامح هذا النموذج القيادي في موقف بسيط في شكله، عظيم في دلالته، حينما شارك صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال، أمير منطقة عسير، محادثة عبر تطبيق واتساب جمعته بسمو ولي العهد بشأن التصميم النهائي لمطار أبها الجديد. جاءت استجابة سموه بكلمة واحدة: “مناسب”، وهي كلمة تختصر فلسفة قيادة تتسم بالحسم، والدقة، وسرعة اتخاذ القرار، وتكشف عن قائد يرى في كل مشروع انعكاسًا لهوية الوطن وكرامة المواطن.

في هذه اللحظة الصغيرة، تجسدت روح رؤية 2030، ليس في مضمون الرسالة فقط، بل في أسلوب إدارتها، حيث لم تعد القيادة تكتفي بالتوجيه من بعيد، بل تمارس مسؤوليتها من أقرب نقطة للتنفيذ. هذه هي القيادة التي تبني التحول على أسس من المتابعة اليومية والاطلاع المباشر، وتُضفي على كبرى المشاريع طابعًا شخصيًا من الرعاية والاهتمام، لأن كل تفصيلة، مهما بدت صغيرة، تمثل لبنة في صرح الوطن المتجدد.

في أدبيات القيادة التحولية كما قدّمها المفكر جيمس ماكغريغور بيرنز، وطوّرها لاحقًا كل من باس وأفوليو، لا يُقاس القائد بما يصدره من قرارات، بل بقدرته على الإلهام، وعلى غرس روح التغيير في نفوس من يعملون معه. وفي النموذج السعودي الحديث، يتجلى هذا المعنى في قيادة سمو ولي العهد، الذي لا يوجّه فقط، بل يوجِد المساحات التي ينهض فيها المسؤولون والكوادر التنفيذية بأدوارهم، وهم يعلمون أن القيادة معهم، تُشاركهم لا تُراقبهم، وتُساندهم لا تُفوضهم فقط.

قرار اعتماد تصميم مطار أبها لم يكن مجرد إجراء إداري، بل فعل حضاري يعكس احترامًا بالغًا للهوية الثقافية لمنطقة عسير، وحرصًا على أن يُجسّد المطار روح المكان وتاريخه. وقد جاء الاختيار ليعبّر عن حس فني عميق، وعن وعي بأن البنية التحتية ليست مجرد هياكل من الإسمنت والحديد، بل تمثيل صريح لرؤية وطنية تحترم الخصوصية وتستشرف العالمية في آنٍ معًا.

ولعل ما يُميز هذه اللحظة القيادية، هو ذلك التحوّل في طبيعة التواصل بين مستويات القيادة والإدارة التنفيذية. فالتواصل لم يعد محكومًا بالبروتوكولات الثقيلة، بل أصبح فاعلًا ومباشرًا، حيث يُدار مشروع استراتيجي بمحادثة عبر الهاتف المحمول، وتتخذ قرارات تاريخية بأقل قدر من التعقيد، وأعلى قدر من الفاعلية. إن هذه المرونة لا تعبّر فقط عن استخدام أدوات عصرية، بل عن تحوّل جوهري في مفهوم الحكم ذاته؛ من الهرمية الجامدة إلى القيادة التفاعلية، ومن التنظير إلى الإنجاز.

ومن زاوية اقتصادية، فإن هذا النمط القيادي يُرسل رسالة واضحة للمستثمرين الإقليميين والدوليين على حد سواء، بأن المملكة اليوم تُدار على أعلى المستويات بروح إدارية رشيدة، تُقدّر الوقت، وتحترم الالتزام، وتُنجز وفق معايير احترافية. وفي ظل اهتمام سمو ولي العهد بتوفير بيئة استثمارية جاذبة ضمن مستهدفات رؤية 2030، فإن الممارسات القيادية التي تجمع بين المتابعة الشخصية وسرعة الحسم تُشكل عامل ثقة محوريًا في زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. فالمستثمر، قبل أن يُقيم الأرباح، يُقيم مناخ الثقة.

الواقع أن سمو ولي العهد لا يكتفي بإدارة المشروعات، بل يُعيد صياغة ثقافة الإدارة نفسها، ويغرس نموذجًا جديدًا من الحوكمة الوطنية يقوم على الكفاءة، والتكامل المؤسسي، والتفاعل القيادي الإيجابي. كل مشروع، من نيوم إلى مطار أبها، لا يُبنى فقط بالجغرافيا، بل يُبنى أولًا بثقافة جديدة ترى في المواطن محورًا وفي الإنجاز رسالة.

لقد قدمت قيادة سمو ولي العهد للعالم نموذجًا لقائد يوازن بين وضوح الرؤية وحيوية الحضور، بين صياغة الاستراتيجيات وتلمّس احتياجات الميدان، بين بناء المدن وبناء الثقة. وفي كل ذلك، لم يكن سموه قائدًا يُراقب من بعيد، بل فاعلًا في قلب التحول، حاضرًا في كل زاوية من زوايا الإنجاز الوطني، يربط اللحظة بالمستقبل، ويحمل الوطن في وجدانه كما يحمله في خارطة الإصلاح.

إن هذه القيادة التي تتابع، وتُبادر، وتُصغي، وتحسم، لا تُصنع فقط من السلطة، بل من الإيمان العميق بأن التنمية ليست رفاهًا، بل التزامًا، وأن تفاصيل المشاريع ليست إجراءات، بل قيم تعكس جوهر النهضة. وسمو ولي العهد، في كل قراراته، يجسد هذا الالتزام، ويكتب فصول التحول الوطني بإرادة قائد يرى ما بعد الأفق، ويتحرك اليوم من أجل غدٍ أكثر إشراقًا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد