عبدالعزيز الكندري
من الكتب المميزة كتاب «البجعة السوداء» للكاتب اللبناني نسيم طالب، وهو كتاب يستحق القراءة، وقبل سنوات كان من ضمن الكتب الأكثر مبيعاً على قائمة «نيويورك تايمز»، ويتحدّث ذلك الكتاب عن التداعيات غير المتوقعة، ويقصد بـ«البجعة السوداء» الأحداث التي يستبعد حدوثها وتتميز بمميزات عدة في الوقت نفسه، وهي أنها غير قابلة للتنبؤ، ولها أثر كبير جداً على العالم، وعند وقوعه يقوم الناس بتفسير هذا الحدث على أنه غير مفاجئ، وخير مثال على ذلك «الذكاء الاصطناعي» الذي غيّر شكل الحياة ومازال، حيث إنه يعتبر من البجعة السوداء، لأنها تحدث بشكل غير متوقع، وستكون هناك بجعات سوداء في المستقبل ما دام الإنسان موجوداً.
تفحّص نسيم طالب، ودرس كيف أن الإنسان يخدع نفسه بأنه يعتقد أن لديه علماً بما يحدث من حوله، ما يؤدي إلى أن يحصر الإنسان تفكيره في أمور معينة وهامشية، ولا يفكر بطريقة كلية، وتأتي الأحداث فجأة ومن غير سابق إنذار، مثل فقاعة الإنترنت «الدوت-كوم»، أو فقاعة تكنولوجيا المعلومات، كانت فقاعة اقتصادية امتدت في الفترة ما بين 1995 و2000. ويتحدّث طالب، في الكتاب عن بعض الإستراتيجيات للتعامل مع «البجعات السود» وكيف تتم الاستفادة من هذه البجعات.
الكتاب يعطيك بعض التكنيكات التي تستطيع أن تغير من نظرتك للأمور، وتنظر إليها من زوايا مختلفة، وهو بحاجة إلى تركيز كبير عند قراءته، ويذكر بعض القصص الطريفة التي تساعد القارئ على فهم الكتاب بطريقة سلسة. وهناك مقولات كثيرة قيلت في الكتاب، فقد قالت صحيفة «التايمز» إنه «كتاب آسر شديد الإثارة للفكر»، وقالت جريدة «الدايلي تلغراف» عنه إنه «مقلق ومثير للجدل... طالب هو عالم صاعق ورجل فذ»، و«النيويورك تايمز» ذكرت «نظر إليه كرجل رؤيوي لأنه استطاع استشراف الكارثة المالية قبل حدوثها».
يبدو أننا أمام فقاعة قادمة وهناك بجعة سوداء في الذكاء الاصطناعي، وحالياً تشهد التكنولوجيا استثمارات ضخمة وتقييمات عالية للشركات الناشئة كما كان الحال لشركات التكنولوجيا قبل خمس وعشرين سنة، ويرى بعض الخبراء والمستثمرين أن التقييمات الحالية غير مدعومة بإيرادات واقعية، ما قد يؤدي إلى تصحيح مؤلم في المستقبل، ولكن هذا التصحيح ليس معناه أن يتم التخلي عن الذكاء الاصطناعي ولكنه سيكون صحياً ويعيد الأمور إلى نصابها الصحيح ويعيد التوازن من جديد.
وهناك مؤشرات على وجود الفقاعة منها التقييمات عالية، حيث تم تقييم شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة بأكثر مليارات الدولارات بالرغم من غياب المنتج النهائي أو نموذج الربح الواضح، وتوقعات السوق قد تكون أعلى بكثير مما يمكن أن تقدمه التكنولوجيا، ما قد يؤدي إلى خيبات أمل وتذبذبات في السوق.
يقول جيف بيزوس: إن الإنفاق على الذكاء الاصطناعي يشبه «فقاعة صناعية» قد تؤدي إلى خسائر استثمارية، لكنها في نهاية المطاف ستعود بالنفع على المجتمع، أما مارك زوكربيرج: فيعتقد أن الفقاعة ممكنة، لكن الخطأ الأكبر سيكون نقص الاستثمار في الذكاء الاصطناعي.
وقال بريان ييو، كبير مسؤولي الاستثمار في (جي آي سي) -وهو صندوق ثروة سيادي في سنغافورة- «هناك بعض الضجة المبالغ فيها في مجال المشروعات التي لا تزال في مراحلها المبكرة»، وقال خلال قمة معهد ميلكن آسيا 2025، في سنغافورة «تحصل أي شركة ناشئة لها صلة بالذكاء الاصطناعي على تقييم يعادل أضعافاً ضخمة لأي إيرادات صغيرة (يمكنها تحقيقها)، وقد يشكل ذلك تقييماً عادلاً بالنسبة لبعض الشركات لكن ربما لا يكون كذلك بالنسبة لشركات أخرى». وفق ما ذكرت «رويترز».
ووفقاً لبيانات بيتش بوك -وهي شركة بحثية تقدم بيانات عن سوق رؤوس الأموال العالمية- جمعت الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي 73 مليار دولار، على مستوى العالم في الربع الأول من 2025، وهو ما يمثل 57 % من إجمالي تمويل رؤوس أموال المخاطرة.

