تقع قرية العمال والفنانين المعروفة باسم «دير المدينة» في البر الغربي لطيبة (محافظة الأقصر حالياً) وتحديداً في الطرف الجنوبي بين وادي الملكات في الغرب، والمعبد الجنائزي للملك رمسيس الثاني المعروف باسم الرامسيوم في الشرق، وجبانة شيخ عبد القرنة في الشمال، وجبانة قرنة مرعي في الجنوب، وجبانة قرية دير المدينة التي تقع على سفح تلال طيبة إلى الغرب من قرية العمال.
واسم القرية في النصوص المصرية القديمة «ست ماعت» بمعنى دار الحق. وسمي العمال الذين يعملون في هذه القرية باسم «الذين يعملون في مكان الحق»، أما الاسم الحالي للقرية فنسب للدير الذي شيده الأقباط في ذلك المكان في العصر القبطي المبكر.
هذا وتختلف مقابر العمال والفنانين في دير المدينة عن مقابر الأشراف التي شيدت في البر الغربي للأقصر. فلقد سكن قرية دير المدينة العمال والفنانون الذين كانوا مكلفين بتشييد معابد ومقابر الملوك في البر الغربي. وقد شُيِّد بدير المدينة العديد من الآثار، لعل أهمها بالإضافة إلى تلك الجبانة الرائعة معبد صغير جميل من العصر البطلمي كرس لعبادة حتحور رمز الأمومة والحب والجمال عند المصري القديم. يحيط بالمعبد سور عالٍ من اللَّبِن ويتكون من فناء وبهو للأعمدة ثم بهو آخر يصل إلى قدس الأقداس، وفي هذه المنطقة منازل عمال دير المدينة، بالإضافة إلى الجبانة السابقة الذكر، وتقع على الجانب الغربي الشديد الانحدار من المدينة، وتحتوي على أكثر من خمسين مقبرة يرجع تاريخ معظمها إلى عصر الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين.
ومن أجمل ما يميز مقابر دير المدينة هو أنها ما زالت تحتفظ إلى الآن بألوانها الرائعة كما لو كانت قد نفذت بالأمس، وليس منذ آلاف السنين، وتمتاز المقابر بجمال النقوش وتنوعها، والجديد في هذه المقابر هو أنه تعلوها أهرامات صغيرة. ويمكننا اعتبار عمال دير المدينة موظفين حكوميين في الدولة باعتبار أن عملهم الأساسي هو تشييد المقابر والمعابد الملكية.
كان الفنانون ورؤساء الحرف يورثون مهنهم لأبنائهم. وكان العمال في دير المدينة ينقسمون إلى فريقين، الأول يعمل في الجانب الأيمن من المقبرة، ويعرف بمجموعة الميمنة، والفريق الثاني يعمل في الجانب الأيسر من المقبرة، ويعرف بمجموعة الميسرة. وكان متوسط عدد العمال في الفرقة الواحدة نحو ستين عاملاً تقريباً. وكان لكل فريق اثنان من المشرفين، بالإضافة إلى وجود كاتب مسؤول عن الجانب الإداري الخاص بهم، وكان مسؤولاً عن تنظيم الحضور والانصراف وتسجيل أسماء الحاضرين من المتغيبين وأسباب تغيبهم عن العمل. وكان هذا بمثابة تقرير يومي عن سير حالة العمل في المقابر الملكية والمعابد. وكانت تلك التقارير ترفع إلى مكتب الوزير أو إلى المندوب الملكي. وعادة ما كان الوزير يزور المقابر الملكية التي يتم العمل فيها لمتابعة سير العمل والإشراف عليه. كان العامل يأخذ إجازة ثلاثة أيام كل شهر، بالإضافة إلى الإجازات والأعياد الدينية والسياسية الأخرى. وكان لكل عامل عدد من أدوات العمل توزع عليه وتصبح في عهدته. وكان الكاتب يسجل أعداد الأدوات النحاسية، ووزنها، والشخص الذي أعطيت له. وأثناء الحفر في عمق الأرض، كان العمال يستخدمون مصابيح فخارية مصنوعة من الطين المحروق وتُملأ بالزيت.
ومن المميز في مقابر عمال دير المدينة، هو تلك المناظر التي رسمت على جدرانها، حيث اتسمت بأنها مملوءة بالمشاهد الأسطورية، التي كان الفنانون أصحاب تلك المقابر يفضلونها عن المناظر التي تسرد تفاصيل الحياة اليومية عند المصري القديم مثلما كان الحال في مقابر الدولتين القديمة والوسطى وحتى بداية الدولة الحديثة.