هل يطلب اليمنيون اليوم أكثر مما طلبوه أوائل القرن الماضي؟
بعدما «ظل اليمن مسرحاً للحروب بين الأئمة، خلال أحد عشر قرناً من الزمان» طالَبَ اليمنيون «بنظامٍ يسير الناس في ظله آمنين، حتى يوضع حدٌّ لهذه المحن، ولنجنب يمننا كل المآسي التي مرَّت به...».
هذا أحد مطالب الأحرار اليمنيين بقيادة الأستاذ أحمد محمد نعمان (وُلِد 26 أبريل/ نيسان 1909، وتوفي 27 سبتمبر/ أيلول 1996).
قبل نصف قرن تقريباً، أدلى «نعمان اليمن» - حسب تسمية الشيخ الحكيم عبد العزيز التويجري - بحديث تاريخي طويل إلى صحيفة «الرياض» السعودية (يوليو/ تموز 1978)، يشخّص أخطر داء ابتُلي به اليمن، وهو «التنافس على السلطة».
هذا التنافس المذموم فَرَّق اليمنيين إلى شيعٍ وجماعات لم تنتهِ إلى تكوين مجتمع ونظام منضبط وملتزم بالدستور والقوانين، جعلت البلد ما يكاد يستقر حتى يضطرب، وما تنتظم وحدته حتى تتداعى من جديـــــد، وما يتمتع الناس قليلاً بالازدهار والتطور حتى يُضطروا إلى انحدار وتدهور شديد، وتبدو البيئة طاردةً للنظام وجـــــــــــاذبة للفوضى، وتغدو الأوضاع مثيرةً للشفقة والحســـــــــرة.
أترى «اليوم مثل أمس الذي مضى»؟... الجواب عندكم.
لكن، أليس في إمكان اليمنيين ومقدورهم أن يصونوا عبقرية المكان من عبثية الإنسان في الداخل أولاً؟ ... بلى.
عند الرجوع إلى كلمات «الأستاذ الأكبر» - بتسمية الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني - نجده قد قدَّم وصفات العلاج وإن كان «من خريجي زبيد (أول الثلاثينات)، والأزهر (أول الأربعينات) لا من خريجي الجامعات الحديثة»، حسب حديثه الشائق الذي زودني بصورته الصديقان المؤرخ والصحافي القدير محمد بن عبد الله السيف، والباحث الاستراتيجي إبراهيم الشمري.
حتماً «وحدة الصف» واجبة لكن يُفترَض «... حين ندعو الناس للوحدة، يجب أن ندعوهم بسلوكنا، ونضرب لهم المثل كيف تكون الوحدة بين الأمم؛ لا يمكن أن تُهزَم الأمة التي يتكتل أبناؤها كالبنيان المرصوص؛ لنستجمع وسائل قوتنا، وأهمها الوحدة الحقيقية بيننا...» يقول النعمان.
في سياق إملاء «روشتة» الدواء، وصفَ علةً عربية أصيلة هي: «إننا نحن العرب لا نستيقظ إلا بعد أن يحيط بنا البلاء، لا نفكر بمقاومة البلاء قبل دخوله».
لا ريب أن هذه العلة أو الغفلة يسَّرت تسرُّب العلل المُهدِّدة لسلامة واستقرار الأوطان، بما فيها: «اليمن (الذي) تتوقَّف سلامته على العون الصريح والواثق، وبالغيرة نفسها على الأقل كأولئك الذين ساعدوا غيره (يقصد مهددي #السلام_اليمن) وأغاروا عليهم من أقاصي الدنيا» وفق أستاذ اليمن.
ثم شرع يصف العلاج: «إذا كان يُقتل المرء بما قَتل به، فاليمن لن يقوى إلا إذا استعمل الوسائل التي تدرأ عنه الخطرَ بعونٍ حقيقي، وتنظيمٍ حقيقي؛ مستعيناً بقوى حقيقية من جميع العرب، فلا تكون السعودية وحدها مَن تقف إلى جانب اليمن ويصمت الباقون...» هنا ينوه بتاريخية وقوف «السعودية وحدها» إلى جانب اليمن في شتى أحواله، مضطرباً كان ومحترباً أو مستقراً ومسالماً، مبيناً كيف كانت الرياض - ولا تزال - مقصد اليمنيين بُغية «إنقاذ اليمن من تلك المحن» التي مرَّ بها - ولا يزال - في مختلف مراحله.
في أثناء تلك المرحلة، عَدَّ النعمان اعتدال السياسة في اليمن امتداداً للمستقبل والاستقرار؛ لكنه رأى «الاستقرار لن يتأتى بالحكومة، إن لم يقف الجيش معها ويعمل على تقوية البلاد»، منبهاً إلى «المطلوب» الآتي: «الحكم المسلح بالعلم والخبرة والرأي، هو الأصلح، مع جيش مدرب، منظم صفّاً واحداً...».
المطلوب لليمن بلسان الأستاذ النعمان من قبل نصف قرن، ما زال يحث على واقع أكثر إبداعاً مما كان؛ هل نأمل ونعمل على أن يتسنى حصوله ووصوله إلى «المسرح اليمني»؟