: آخر تحديث

متعة تفويت الأشياء

4
3
4

سهوب بغدادي

في عصرنا الحالي المتسم بالسرعة والمليء بالمتغيرات اليومية وبعد بزوغ وسائل التواصل الاجتماعي والفورة الرقمية بشكل موسّع في أطر تداخلت في أساسات حياتنا اليومية، من «ترندات» و»صرعات» وصولًا إلى لحظية التواصل، الأمر الذي يجعل الشخص قريبًا من البعيد وإن كان بعيدًا جغرافيًا أم نفسيًا، ويجعل القريب بعيدًا وإن كان وسط أهله وناسه، في هذا السياق، برز مصطلح FOMO الذي يعرف بالخوف من أن يفوتك شيء، فقد تخاف من أن تفوتك تلك الدعوة التي تخص أهلك ورفاقك، أو أن تتأخر في تطبيق «الترند» المرح الذي قام به أغلب من في محيطك، أو ببساطة أن تتأخر في الرد على رسالة أحدهم وأنت تحتسي كوب قهوتك المفضلة، لذا تصاحب شرب القهوة والأكل وغيرها من الأفعال البسيطة وأو ما نسميه بالعامية «الرايقة» مع مسك الهاتف المحمول، بل إنّ البعض لا يفارق هاتفه، وإن كان يتحدث مع أعز إنسان لديه! بلا شك، هناك فئات تشعر بالغربة مع الأحباء وأبرزها كبار السن الذين يعانون من ويلات العزلة الرقمية وتبعاتها على الأجيال التالية، وصغار السن والأطفال في حال لم يكن لديهم ما يشغلهم أيضًا أو جهاز خاص بهم في الوقت الذي يقضونه مع والديهم، إنّ الأمر تعاظم بشكل جلي في السنوات الأخيرة الماضية، لذا انتشر الوعي في هذا الخصوص، باعتبار أنّ كل ظاهرة مجتمعية تتطلب الدراسة والتوقف على أسبابها وتداعياتها وطرق الحد منها، إذ ظهر مصطلح جديد مضاد لذلك الأول ويطلق عليه JOMO ويعني المتعة في تفويت الأشياء، بالطبع إنّ المصطلح صادم وغريب للوهلة الأولى، إلا أنه منطقي بل مبدأ جيد في حال فهمه وتطبيقه بالطريقة الصحيحة دون التأثير على نواحٍ أساسية وأولويات ومبادئ في حياة الشخص، حيث تكمن المتعة في تفويت تلك المناسبة في حال كنت متعبًا أو لديك موعد مهم في اليوم الذي يلي المناسبة، أو أن تفضل الجلوس على أريكتك المفضلة والاسترخاء دون فعل أي شيء عوضًا عن الذهاب إلى النادي مثالًا، أو أن تقضي مع عائلتك سهرة بسيطة هذا الأسبوع بدلًا من حضورك اجتماعا عائليا يعقد بشكل دوري.

كل هذه الأمثلة عامة، وقس على ذلك في عدد من المواقف التي تتطلب منك الاختيار على حساب راحتك الجسدية والنفسية، فمتى أصبحت التقنية المسخرة لخدمة البشر عنصرًا للضغط النفسي عليهم؟ لابد من التسلح بالقدر الكافي من المعرفة في خضم الانفتاح الرقمي والتوقف على تبعات ما نتعرض له ويعترضنا من جديدها على الدوام، لكي نستفيد من الوسيلة وتلك هي الغاية، لا أن تصبح الغاية هي الوسيلة.

«نعيش في عالم حيث يمتلك فيه الكثير منا الأصدقاء على الإنترنت، ولكننا في الواقع فقدنا التواصل الإنساني الحقيقي»

- روبين شارما


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد