: آخر تحديث

مفارقة نفي المجاعة

5
4
5

هل يجيز الغرب لأحد التشكيك في ما يقول الإمبراطور؟ بتعبير القلم: «كلام الملوك ملوك الكلام.. وكل كلام سواه حرام». كانت أغلبية الرأي العائم العالمي، غير مختلفة في ما يحدث، فإذا بالإمبراطور يصدح: «أعتقد أنه لا توجد في غزّة مجاعة». معنى ذلك أن الآخرين، بهم بلاهة لا تدرك أسرار البلاغة، فما هو حادث في غزّة، إنما هو قمة نجاح أنظمة التنحيف، وخفض الأوزان إلى حالة انعدام الوزن. هذا «ريجيم» رجيم، يجعل صاحبه يتجاوز الصورة التي رسمها بشار بن برد: «إنّ في بُرديَّ جسماً ناحلاً.. لو توكّأتِ عليه لانهدمْ». ما أبدعه الصوفي ابن الفارض أبعد: «قل تركتُ الصبَّ فيكم شبحاً.. ما له ممّا براهُ الشوقُ فَيْ». ولا حتى ظل.

ما قاله الإمبراطور يكشف تحت المجهر، أنه ردّ وتعقيب وتعليق على أقوال أخرى مناقِضة، فهو مجتزأ من حوار. زمان التصريح ومكانه، كانا في أوروبا، حيث سمع ما يمكن إيجازه في: «بلغ السيل الزبى»، وأغرق الربى. هل يمكن أن تنطلي هذه التغليفات على جميع الواعين في الكوكب؟ عندما يقول الإمبراطور إنه لا يعتقد أن في غزّة مجاعة، فمعنى ذلك أن التقارير التي تُرفع إليه تغيّبه عن الواقع الذي تراه المليارات عياناً، صوتاً وصورة، أو أنه يقول ما لا يعتقد، لكن، حتى حلفاؤه في أوروبا لم يعودوا يجارونه من دون قيد أو شرط، لأن الشعوب الأوروبية لم تعد تطيق الخداع. للتضليل الإعلامي حدود. توافق المصالح له مدى صالح للاستعمال، بعد ذلك حتى عقل المخادع يصيح بصاحبه: كفى، فبعد هذا يسخر المرء من ذاته. في النهاية، عندما تكون القوة الكبرى بلا منافس ولا مرافس، وحدود أمنها القومي، كما تعتقد وتملي، تمتدّ على كل خطوط الطول والعرض، وتَهب مجّاناً ما يحلو لها، لمن تشاء، بلا إذن أو استشارة، في الشرق الأوسط، في كندا وغرينلاند وبنما، فما الحل؟ أمّا أهل غزّة، فكما لم يقل الشاعر: «ومن لم يمت بالقصف مات بجوعهِ.. تعدّدتِ الميتات والله شاهدُ».

على منظومة المعنيين بالأمن القومي العربي إدراك أن اللعب بالمصير المشترك جاوز الحدود، ومن الحكمة عدم استبعاد التبعات والتوابع. الحكمة من حيث أتت طيّبة مفيدة. في اجتماع دول «البريكس» الأخير، قال الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا: «إن القوة الأولى، لا تعني أن رئيسها إمبراطور العالم».

لزوم ما يلزم: النتيجة القيثارية: حفاظاً على الأوطان، لا بدّ أن يوقن الأمن القومي العربي أن القيثارة على وشك الامتلاء بأنّات الجوى.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد