من غير أن يقصد بالطبع، قدم خليل الحيّة، رئيس حركة «حماس» في قطاع غزة، خدمة جليلة لمن أراد أن يذكّر بعبثية أدائها السياسي وتناقضاته التي تستغل معاناة الشعب الفلسطيني بالقطاع في تمرير خطاب لا يخدم إلا الكيان الأم: جماعة «الإخوان المسلمين». ولا حاجة إلى جهد لبيان تطابق الأهداف بين قيادة «حماس» والمسؤولين الإسرائيليين، وأهمها إطالة مأساة غزة، هرباً من محاسبة واجبة يؤجلها تعاظم ما يواجهه الغزيّون، وهم في الحقيقة ضحايا الطرفين، من دفع إلى الموت، بالقتل المباشر أو التجويع. تحدث الحيّة من خارج القطاع متناسياً دوره السياسي الذي يتفاوض على أساسه ويلتقي مسؤولين من كل الأطراف، تاركاً الحصافة المفترضة ضحية للأغراض والمفردات الإخوانية التي تشتت في البلاد، لكنها توحدت بجلاء على لسان زعيم «حماس»، وربطت بين تحركات بدت للبعض متباعدة لا صلة بينها. بخطاب تهييجي قديم الطراز، يريد الحيّة للجماهير العربية أن تزحف، أو أن تتحرك عملياً، حسب تعبيره، وأن تعلن غضبها، ويخصّ بدعوته كل مكونات مصر والأردن، وفي ذلك استباحة مقصودة هدفها القريب الفوضى التي يمكن لجماعة «الإخوان المسلمين» أن تعتاش عليها طويلاً. الخطاب الملخّص ببلاغة لكل تناقضات النهج الإخواني، يطالب إنقاذ حرائر غزة ولو بلقيمات، بينما كل إسقاط جوي للمساعدات لا يقدم أكثر من محتوى شاحنة، وهو، في رأيه، هزل مسرحي دعائي؛ لأنه، ببساطة، يقطع الطريق، على المأساة التي ابتدأتها الحركة وأبطالها أهل غزة المحاصرون بحماقة «حماس» وإسرائيل. إن الحيّة يعترف بأن إسرائيل حوّلت معبر رفح إلى عنوان للموت والتجويع بعد أن كان شريان حياة لأهل غزة، لكنه ببساطة يطالب الشعوب العربية بالزحف لنصرتهم، خاصة من مصر والأردن، كأنهما بلدان بلا مؤسسات متروكان للريح الإخواني المسمومة، من دون أن يطالب مقاتلي الحركة بفتح المعبر المغلق من جانب القطاع، لا من الجهة المصرية. يدعو القيادي الحماسي الشعوب العربية ضمن غضبها المنتظر إلى حصار السفارات، من دون أن يحدد سفارات أي دول، في تجسيد رسمي لما يفعله منتمون لجماعته الأم تجاه السفارات المصرية في دول غربية، وها هو الحية يؤصل لها قاعدةً في الفقه الإخواني للدفاع عن غزة. بالهوى الإخواني المعروف، لم ير الحيّة مناصراً لغزة إلا الإسناد الآتي من اليمن وتحركات بعينها حاولت اختراق السيادة المصرية. يحيّي «قافلة الصمود» التي تأكدت الآن مقاصدها والجهة التي رعتها، لكنه لم يسمع عن مساعدات من دول عربية عدة، لم يكن أمام التلفزيون حين أصبحت بملايين الأطنان في العريش آتية من الإمارات ومصر وغيرهما. لم ير تعاون البلدين في علاج ضحايا الحرب، ولا يلفت نظره تدفق المساعدات الإماراتية من كل صوب، إسهاماً في إنقاذ الفلسطينيين في القطاع. إن كان من شيء يُشكر للحية، فهو تفسيره لما استعصى على البعض فهمه منذ بداية مأساة غزة من تصرفات تستعذب ألم أهلها وتتاجر به.
زحف «الحيّة»!
مواضيع ذات صلة