: آخر تحديث

ضرورة ربط الأخلاق بالتعليم

5
4
4

يُعد التعليم محوراً أساسياً في صياغة هوية المجتمعات وبناء الإنسان القادر على مواجهة تحديات الحاضر وتنمية المستقبل، حيث إنه يجب ربط التعليم بالقيم الأخلاقية، التي تضبط سلوك الشعب، وتوجّه المعرفة نحو خدمة المصلحة العامة قبل المصلحة الفردية، ومن هذا المنطلق فإن دمج العملية التعليمية بالأخلاق الفاضلة يُشكّل ضرورة إستراتيجية لتعزيز التماسك المجتمعي، وترسيخ الانتماء الوطني، ودعم مسيرة التنمية المستدامة في دولة الكويت، فالأخلاق حين تُسند بالتعليم، تُثمر مواطناً فاعلاً ومجتمعاً متماسكاً، وقد يكون بعض من آليات تطوير التعليم، وتعزيز البعد الأخلاقي، هو تطوير المنظومة التعليمية في الكويت، وتكمن أولى الخطوات في إعادة هيكلة المناهج الدراسية لتواكب المتغيرات العالمية، مع مراعاة تضمين القيم الأخلاقية العامة بشكل منهجي ومتدرج، بحيث لا تكون محصورة في مواد محدودة، بل مدمجة ضمن جميع المواد الدراسية، وينبغي الاستثمار في تأهيل المعلم وتطوير مهاراته التربوية والسلوكية، ليكون نموذجاً ومثالاً يُحتذى في الانضباط والنزاهة والاحترام والسلوكيات العامة الإنسانية، التي لا تحمل فكراً أحادياً، بل تشمل التنوع الثقافي، ومن الضرورة تبنّي برامج تعليمية حديثة تدمج القيم بالمواقف التعليمية، مثل التعلم الخدمي، ومشاريع المواطنة الفاعلة، فهي من الأساليب المؤثرة في تشكيل وعي الطلبة وربطهم بقضايا مجتمعهم، ويُوصى أيضاً بتفعيل الشراكات بين المؤسسات التعليمية والمجتمع المدني، إلى جانب وضع مؤشرات قياس لمدى فاعلية المناهج في ترسيخ القيم داخل البيئة المدرسية، بما يعزز المصداقية والالتزام المؤسسي تجاه هذا التوجه التربوي.

الأثر الإيجابي لدمج البُعد الأخلاقي في التعليم ينعكس بمختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فعندما يُغرس في نفوس الطلبة احترام القانون، والعمل بروح الفريق، وقبول الاختلاف، يصبحون أكثر وعياً بحقوقهم وواجباتهم، مما يعزز الاستقرار المجتمعي، ويحدّ من مظاهر التوتر والانقسام، كما أن تمكين الشباب من القيم المجتمعية، التي ممكن أن ينقلها الطالب إلى بيئته والأسرة، كالانضباط، والشفافية، والالتزام الأخلاقي، والإحساس بالمجتمع، يُسهم في رفع كفاءة القوى العاملة، وتحسين بيئة العمل، والحد من الهدر والفساد الإداري والسلوكي في القطاعات المختلفة، وتُعد القيم الأخلاقية حافزاً مهماً في مجال ريادة الأعمال والابتكار، إذ تغرس لدى المتعلم حس المسؤولية تجاه وطنه ومجتمعه، وتُشجعه على المبادرة والعمل التشاركي، كما يُمكن للتعليم الأخلاقي أن يشكل خط الدفاع الأول في مواجهة التحديات الفكرية والأخلاقية، التي تواجه الشباب الكويتي، في ظل انفتاحهم على العالم الرقمي والثقافات المتعددة، وذلك من خلال تنمية وعي نقدي ورقابة ذاتية تُحصّنهم.

في ظل الرؤية الوطنية لدولة الكويت 2035، يسهم التعليم الأخلاقي كخيار إستراتيجي لمستقبل الكويت في بناء اقتصاد معرفي ومجتمع متماسك ومستدام، وان الربط بين التعليم والقيم الأخلاقية يُعد خياراً استراتيجياً لا غنى عنه، وبناء المواطن الكويتي المتعلم والأخلاقي هو استثمار طويل الأمد في أمن الدولة واستقرارها ونموها، ولذلك يجب أن تواكب السياسات التعليمية هذا الخط، من خلال دعم الأبحاث التربوية وتطوير التشريعات التعليمية، وتحفيز المؤسسات التعليمية الخاصة والحكومية على تبنّي نماذج تعليمية متكاملة، توازن بين الكفاءة الأكاديمية والنمو الأخلاقي، كما ينبغي تعزيز دور الإعلام والأسرة في ترسيخ هذه القيم، باعتبارهما شريكين أصيلين في العملية التربوية، ومكمّلين لدور المدرسة.

إن غرس القيم في عقول الأطفال والشباب، من خلال التعليم، لا يُنتج فقط فرداً صالحاً، بل يُسهم في بناء وطن يُفاخر العالم بوعيه، وتحضّره، وإنسانيته، وحين يتعلّم الطالب أن الأخلاق ليست مجرد شعارات، بل هي سلوك يومي مرتبط بالمصلحة العامة، حيث يصبح المجتمع الكويتي أكثر تلاحماً وقدرة على تجاوز الأزمات، وتحقيق رؤيته الوطنية الشاملة.

إن ربط التعليم بالأخلاق ليس مسألة تربوية بحتة، بل هو مشروع وطني تنموي شامل، ولعل الكويت، بما تمتلكه من إمكانات بشرية ومادية، وما تتمتع به من إرث حضاري وثقافي، قادرة على أن تكون نموذجاً إقليمياً في دعم وربط الأخلاق بالتعليم، الأمر الذي يصنع الإنسان الفاضل وأيضاً يصنع الأوطان القوية.

ودُمتم سالمين،،،

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد