في ظل التحول الرقمي المتسارع، تُصبح الملكية الفكرية أكثر من مجرد حماية قانونية؛ إنها ضمان لاستدامة الابتكار الثقافي والاقتصاد الإبداعي. وبينما تمنحنا تقنيات الذكاء الاصطناعي أدوات غير مسبوقة للإنتاج والابتكار، فإنها تفتح في المقابل أبواباً لتحديات جديدة تتعلق بالأصالة، والحقوق، والمساءلة. وهنا تتجلى رؤية دولة الإمارات، التي نجحت في المواءمة بين التطور التكنولوجي والتشريعات القانونية، لتكون بيئة محفزة للإبداع ومحافظة على حقوق أصحابها.
انطلقت الإمارات في هذا المسار الطموح عبر استراتيجية وطنية شاملة، تضمنت تحديث منظومة الملكية الفكرية، وإطلاق مبادرات نوعية لتسهيل تسجيل براءات الاختراع، وتطوير قوانين متقدمة لحماية حقوق المؤلف والعلامات التجارية. ولم تقتصر هذه الجهود على التشريعات، بل تجسدت فعلياً من خلال ازدهار المحتوى الوطني ونمو الصناعات الثقافية، ما أسهم في جعلها ضمن قائمة الدول الأفضل عالمياً في مؤشرات الابتكار.
وبعد اعتماد الذكاء الاصطناعي كعضو استشاري دائم في مجلس الوزراء، رسخت الإمارات مكانتها لتصبح في طليعة الدول التي تشرك التكنولوجيا في عملية صنع القرار، هذه الخطوة التاريخية لم تكن رمزية فحسب، بل مثلت التزاماً حكومياً باستشراف المستقبل وصناعته. كما أن إدراج الذكاء الاصطناعي ضمن المناهج التعليمية يعكس نهجاً طويل الأمد لبناء جيل رقمي متمكن من أدوات العصر ومدرك لأهمية حماية حقوقه الفكرية.
وبرزت مبادرة مؤسسة دبي للمستقبل التي أطلقت أول تصنيف عالمي يحدد مستوى التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى، بهدف تعزيز الشفافية والأمان الرقمي وأخلاقيات النشر، وهو ما يشكّل دعوة مفتوحة للمؤلفين والباحثين والناشرين وصناع المحتوى لتبني هذه المعايير دعماً للشفافية وتعزيزاً لأخلاقيات النشر.
وأطلقت الإمارات أدوات تقنية متقدمة مثل نظام «إنستا بلوك»، الذي أسهم في إغلاق أكثر من 1100 موقع مخالف، بهدف حماية المحتوى الرقمي من الانتهاكات، وعززت شراكاتها الاستراتيجية مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية «الويبو» لدعم بيئة تشريعية مرنة ومواكبة للتطورات الرقمية.
إن مستقبل الإبداع الإماراتي يرتكز على توازن دقيق بين حرية التعبير، وحوكمة المحتوى، وتمكين الشباب بمبادرات تعكس إدراكاً متقدماً للدور المحوري الذي يلعبه الجيل الجديد في صياغة مشهد ثقافي مسؤول ومستدام.
لا تقتصر أهمية حماية الملكية الفكرية على تأمين الحقوق الفردية، بل تتجاوز ذلك إلى حماية الهوية الوطنية، وتكريس مكانة الإمارات كمنصة عالمية للإبداع، ومركز لصناعة المستقبل، حيث يلتقي القانون بالتكنولوجيا، ويثمران معاً نهضة فكرية واقتصادية مستدامة تُلهم العالم.