: آخر تحديث

شوارعنا تاريخ ومقارنة وملاحظات

7
6
5

حسن اليمني

تسألني: لماذا تعج طرق مواصلاتنا بالفوضى وطابع الأنانية والتنمر وتجاوز للنظم المرورية والقواعد الأخلاقية، وتمثل ذلك بالدخول العرضي للطرق وحتى بين المسارات إلى درجة التهور وعدم احترام الأفضلية ولا حتى حقوق المشاة وأخطاء كثيرة يدركها السائق الحريص المنضبط وأجيب بما يلي:

بداية انظر إلى انضباط حركة السير في دولة مثل البحرين وقارنها بمثيلها في مصر على سبيل المثال، في البحرين كان للاستعمار البريطاني بصمته الراسخة الواضحة في ضبط حركة السير، فاستمر الأمر بعد انقلاعه واستقلال مملكة البحرين لقلة عدد السكان وصغر مساحة الشوارع والطرق وكثرة نسبة الوافدين في استخدام الشوارع والطرق؛ مما ساعد على تمسك المواطنين بحفظ حقوق السير حتى صار الانضباط هو القاعدة إلى درجة أن لا تحتاج الشوارع والطرق إلى تواجد رجال المرور في الغالب، وعلى الرغم من أن الاستعمار البريطاني كان متواجداً في مصر أيضاً إلا أن باقي المعطيات مختلفة، فالمساحات أكبر ونسبة الوافدين أقل وعدد السكان أكبر فتسارع تحول حركة السير من الانضباط إلى الفوضى بشكل سريع فور خروج المستعمر وتغير الأولويات، فتباطأت حركة تطوير الشوارع والطرق وضعفت آليات المتابعة والرقابة المرورية مع زيادة عدد السكان؛ مما انعكس سلباً على انضباط حركة السير ووصلت إلى حالها اليوم، قد تقول إن دولاً خليجية تشابه البحرين في المعطيات لكنها لم تصل إلى حالة الانضباط كما هي اليوم في البحرين، وقد أزعم أن ذلك يعود إلى زيادة نسبة عدد المستخدمين المواطنين على الوافدين - والأكثرية في العادة تطوع الأقلية - مع زيادة مساحة الشوارع والطرق بتوافر الإمكانيات المالية فصار الانضباط أقل نسبة، وهذا ربما يصح في الكويت مثلاً لكنه عكس ذلك في الإمارات التي تزيد فيها نسبة الانضباط أكثر لوفرة الزيادة في عدد الوافدين ونوعية أعمالهم وكذلك زيادة نسبة المتابعة والمراقبة لحركة السير.

في بلادنا الحرة التي لم تطأها قدم مستعمر وانتقلت بالتدرج من سير الأقدام والبهائم إلى العربات التي تجرها الحمير ثم الدراجات الهوائية والنارية وقليل جداً من المركبات مع قلة الشوارع والطرق المعبدة وصغر المدن والقرى بما لا يحتاج إلى ضبط أو متابعة جاده، بدأ التحول منتصف السبعينيات الميلادية تقريباً بدخول المركبات بأعداد كبيرة سبقت إدارة الضبط المروري وتحسين الطرق والشوارع، فصارت نسب الحوادث المرورية قضية متسعة سواء داخل المدن أو بينها عبر الطرق البرية البدائية، الأمر الذي جعل من تطوير الطرق والشوارع أمراً عاجلاً ومهماً بدأ منتصف الثمانينات الميلادية لتصبح الطرق والشوارع أكبر مساحات وأوسع انتشاراً، وحتى بين المدن والمناطق تحولت من مسار واحد مزدوج إلى مسارين واسعين لكن دون تطور موازٍ في نظم ضبط الحركة المرورية، ومع ذلك صغرت نسبة الحوادث بشكل ملحوظ لكن بنسب خطورة أكبر، إلى أن دخلت الرقابة الإلكترونية وحددت حدود السرعة في الشوارع والطرق بما قلل نسب الحوادث ونسب خطورتها، مع هذا لا زال ضبط نظم حركة السير دون المستوى المأمول إلى ما قبل عامين أو ثلاثة، وإن لم يكن هذا الضبط الذي تطور لحركة السير متناسباً فعلياً مع ضعف جودة الحركة المرورية نتيجة زيادة نسبة الرقابة الشكلية على المضمون سواء من خلال الرقابة الإلكترونية أو الميدانية، فلا زال الدخول من منافذ الأحياء للطرق والشوارع بشكل مباشر وأحياناً كثيرة بعجلة ودون تروٍ، ومن ثم شق الطريق من اليمين إلى اليسار بشكل متهور دون احترام مسار الشارع أو الطريق مستمر، وكذلك التنقل بين المسارات بطريقة بدائية خطرة بل وحتى إرباك حركة السير في المسارات من خلال محاولات التجاوز غير المبرر أو البطء في المسارات الأخرى؛ بما يربك حالة الانضباط في الحركة المرورية، وكل هذا لا زال غائباً عن المتابعة، والعجيب مع زيادة نسب الوافدين إلا أن - كما ذكرت سابقاً - الكثرة في العادة تطوع الأقلية، فقد أصبح كثير من الوافدين مقلدين لأهل البلد في أخلاق حركة السير خصوصاً سائقي سيارات الأجرة الذين يمتازون بداء التبلد بشكل كبير وكبير جداً إلى درجة خطرة.

في الآونة الأخيرة صرنا نلاحظ نشاطاً للرقابة الميدانية السرية لكن ينقصها في بعض الأحيان ضبط حالة التمركز الصحيح لرقابة انسياب الحركة المرورية في مداخل الطرق من جهة الدخول السليم الذي يفترض محاذاة أقصى المسار الأيمن لمسافة تعطي باقي المسارات انسياب حركة مسارها، وكذلك حفظ جودة الطرق السريعة من خلال ضبط حركة المسارات وسرعتها بحيث لا يصح السير في المسار الأوسط للطرق السريعة بسرعة تقل عن نسبة 50% من السرعة المحددة إلا في أقصى اليمين، وهذه تحتاج إلى متابعة ميدانية في البداية لزيادة وعي السائقين بجودة الطرق السريعة ثم مراقبة إلكترونية محددة سرعة المسارات المسموحة، كما أن الخروج من المسار الأيسر لمخارج الطرق عن اليمين بشكل فجائي مخالفة منتشرة بكثرة وضبطها قد يكون بشكل هندسي من خلال جعل المخرج منفرداً عن الطريق بمسافة كيل لتُلزم الراغب في الخروج محاذاة الجانب الأيمن بمسافة كافية قبل الخروج، وبمثل ما شهدنا من تطور في ضبط حركة السير الذي يعتبر اليوم مختلفاً جداً عن السابق يحدونا أمل الوصول إلى الانضباط المتحضر بشكل أسرع - بإذن الله - من خلال الحرص الظاهر والواضح لتجويد ضبط حركة السير.

بقيت حالة الزحام التي تغرق فيها شوارع المدن رغم توافر عدّة شوارع تفي بالغرض للوصول إلى الجهة ذاتها، إلا أن تمايز الشوارع عن بعضها من ناحية كثرة منافذ الأحياء على الشارع العام وكذلك كثرة عدد الإشارات الضوئية وبطء الانتظار، أضف لذلك تلاصق النشاط التجاري مع الشارع بما لا يتناسب وعرضه وسعة استيعابه تحد من تعدد الخيارات، وهذا يخلق تزاحماً في الشوارع الصغيرة الموصلة للشوارع الأكبر وحتى الطرق السريعة، على أن الأمر لا يعود بمسئوليته إلى جهاز السير بل لبلديات المدن وتخطيط أحيائها التي أتاحت مؤخراً فسح بناء العمائر المتصلة داخل الأحياء فزادت الكثافة السكانية على المتر الواحد بما خلق كثافة مرورية داخل الأحياء ومنافذها على الطرق والشوارع، أضف لذلك تكاثر المناطق الحيوية للأعمال والتجارة وتوسعها داخل المدن وكذلك حركة النقل المدرسي الناتج عن ارتفاع نسبة الرفاهية الاجتماعية؛ ما جعل حركة انتقال الطلاب والطالبات من وإلى المدارس مضافاً لحركة انتقال الموظفين والعمال والأعمال والذي برغم تحول الكثيرين إلى استخدام المترو مثلاً في الرياض يجعل محطات المترو وقطاراته مزدحمة بشكل يزيد مخاطر انتشار الأمراض إن لم يسارع في زيادة عدد القاطرات التي لا تتجاوز اثنتين في الغالب، في حين يحتاج المسار الأزرق إلى ضعف عدد قاطراته الأربع باعتبار أنه أكثر المسارات ازدحاماً.

أخيراً لابد من القول إن السائق السعودي يمتاز بمهارة القيادة للمركبة بشكل أكثر احترافية من غيره حتى أن دخول النساء زاد من جودة القيادة بشكل عام، ولولا كثرة أعداد السائقين غير المتمكنين من الوافدين أو سائقي الأجرة الممتهنين للزحام والمستفيدين منه، ولو أن أجواء الطقس في بلادنا خاصة في الصيف تميل للاعتدال لكانت شوارعنا وطرقنا تمتاز بمتعة أكثر، ولولا البطء وأحياناً الأخطاء في رسم الخطط التنموية داخل المدن وكذلك بعض التقاليد الاجتماعية والعاطفية لكان الوصول إلى جودة الانضباط لدينا أكثر سرعة وأعلى درجات من كثير من الدول المتقدمة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.