: آخر تحديث

تفريغ غزة.. تقويض أمل السلام !

7
7
6

حسين شبكشي

لا يزال العالم يتعامل مع تبعيات صدمة تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص رغبته في الاستحواذ على قطاع غزة وتطويره معمارياً بعد إخراج سكانه إلى دول أخرى؛ لأن القطاع اليوم غير قابل للحياة، ليصبح بعد ذلك مكاناً هو أقرب في وصفه لشواطئ الساحل اللازوردي في البحر المتوسط. وهو تصريح غير مسبوق في قانونيته وشكله ومضمونه بأي شكل من الأشكال.

وكان من الطبيعي أن تكون ردود الأفعال لذلك التصريح المثير للجدل هي رفض تام صاحبته أوصاف تتهم صاحبه بالجنون أو البعد عن الواقع، فهل هو فعلاً هكذا؟

دعونا نتذكر أن الرجل هو رجل أعمال مخضرم، نجح في مشاريعه عبر السنوات الماضية بطرق مثيرة للجدل. والتفكير خارج الصندوق أثمر عن فوزه برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية مرتين واجه فيهما حرباً ضروساً لم يوفر فيها خصومه أي وسيلة لهزيمته، وبالتالي الرجل ليس غبياً أبداً. إذن ما الذي يفعله بهذا التصريح؟ هو ببساطة يتبع سياسة تغيير الموضوع.

فهو يصنع ضجة إعلامية هائلة بتصريحه القنبلة، والتصريح هو عن شيء مختلق: إخراج أهل غزة وتطويرها. الغرض من ذلك تشتيت الانتباه لموضوع جديد.

والاستمرار في الحديث عن تهجير سكان غزة (بالرغم من كون ذلك مستحيلاً من الناحية العملية) هو لجعل الناس تتقبل الفكرة، ويصبح موضوعاً لطرح الآراء عنه بدلاً من صده ورفضه.

تغيير الموضوع من مجازر إسرائيل وحقوق إنسان ومحكمة عدل وجرائم حرب وتطبيق قرارات دولية إلى: إلى أين سيرحل الفلسطينيون في تهيئة للمشهد وكأن مسألة تهجيرهم باتت حتمية ومفروغاً منها.

تحويل الدول المستهدفة لتكون مستقبلة لأهل غزة لتصبح في موقع المدافع عن نفسها وإدخالها بالقوة في موقف المتفاوض بدلاً من التذكير بأنها دول رفضت الفكرة من جذورها وهو ما يحصل مع مصر والأردن.

دونالد ترامب قبل أن يكون رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية قضى عمره كله في مجال واحد وهو تحقيق أقصى العوائد المالية الممكنة من أي مساحة من الأراضي الممكنة التي تقع بين يديه، وتحويلها من قطعة أرض ميتة إلى نقطة جذب للسكن والتجارة والترفيه والسياحة بامتياز. هكذا عاش وهكذا كوّن ثروته ونشر اسمه وطوّر شهرته. لا يعرف طريقاً آخر ولا أسلوباً غيره.

وبالتالي اليوم هو يريد أن يحول موضوع الكارثة التي حلت بقطاع غزة إلى فرصة استثمار عقاري مغرية ليعطي بعداً عقارياً مطلقاً وحقيقياً لمبدأ الأرض مقابل السلام. ولكن تفريغ غزة من أهلها بحجة بنائها وإعادة إعمارها هو تهجير قسري بامتياز يتنافى مع كل الأعراف الإنسانية والقوانين الدولية، ولن يحل المشكلة، ولكنه سينقلها لمرحلة أشد قسوة وظلماً.

تصريح ترامب أثار زوبعة مخيفة وفتح باب الاحتمالات المرعبة، وهي مسائل أقل ما يمكن قوله بأنها تثير القلق لما يمكن أن يكون المقصد الحقيقي المنشود من إطلاق تصريح مثير للجدل كهذا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد