موسى بهبهاني
المولى عز وجل خلق كلّ شيء بحكمته وأمره، أي لا يخلق شيئاً عبثاً، فكل ما في الوجود فهو بقدرته ومشيئته.
قال تعالى:
«اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ».
وقد اقتضت حكمته البالغة خلق الأضداد، فخلق الملائكة والشياطين، والليل والنهار، والطيب والخبيث، والحسن والقبيح، والخير والشر، كذلك الاختلاف في الأبدان والألوان والعقول بين البشر، فجعل منهم الغني والفقير، السليم والسقيم، العاقل وغير العاقل.
جميع الأديان السماوية تحرص على دمج فئة الاحتياجات الخاصة في المجتمع ومن حقهم العيش الكريم وباحترام وتلقي التعلم والرعاية الصحية والاجتماعية، وكذلك العمل في المجالات التي يتقنونها، بالإضافة إلى الحق في بناء الأسرة والزواج والانجاب.
لذلك، فإن دمجهم في المجتمع يعتبر ضرورة لهم ليعيشوا حياة كريمة، فجميع الأديان لم تفرِّق بين طفل وآخر سواءً على المستوى الديني أو الإنساني، فالأطفال كلهم سواء في نظر القلوب الرحيمة، فهناك من يوُلِدَ كامل الخلقة مُستقيم البنية، وآخرون ابتلوا ببعض الأمراض أو الإعاقات الجسدية التي تبدو لنا في الخلق.
(أقدر أتسوق مع عيالي)
بادرة متميزة وموفقة قامت بها أسرة الوجيه / نصرالله سيد حميد بهبهاني وحرمه السيدة/ إقبال سيد إسماعيل والأبناء، فمنذ 16 سنة مضت تكفلت أسرة بهبهاني بالعمل التطوعي لخدمة أهل الهمم، وفي السنوات السبع الماضية أطلقت هذا الشعار الجميل: (أقدر أتسوق مع عيالي) بالتعاون مع جمعية الدعية التعاونية ومع مجموعة الدعية معاً للأفضل قاموا بعمل مهرجان للتسوق لأهل الهمم مع أهاليهم في الجمعية الرئيسية وذلك بهدف دمجهم في المجتمع وتسهيل طرق التسوق لهم، ولفت انتباه المجتمع إلى هذه الفئة كونها صاحبة إرادة وأنها يمكن الاعتماد عليها، وبمقدورها لعب دورها في المجتمع.
وتميزت تلك الفعالية بحضور كبير من أفراد ذوي الاحتياجات الخاصة وأسرهم الكريمة وعدد من الشخصيات العامة وأهالي منطقة الدعية.
وتم تحديد (يوم) للتسوق لأبنائنا من ذوي الاحتياجات الخاصة مع أسرهم الكريمة.
وتم منح كل فرد منهم كوبون مشتريات بقيمة 50 ديناراً للتسوق في الجمعية، وكذلك يشترط حضور أصحاب الاحتياجات الخاصة برفقة أسرهم ويمنع مرافقوهم من العاملين المنزليين.
وشارك الجميع في التسوق من مرتادي الجمعية وأصحاب الهمم، وتلاشى الشعور بالحرج والخجل من أهل الهمم وأسرهم وبالمقابل تقبلهم مرتادو الجمعية الآخرون، فلا عقبات ولا خوف ولا ترقب، كلهم كانوا يقومون بشراء احتياجاتهم بشكل طبيعي، وتلك المبادرة الشخصية لتشجيع كل أفراد الأسر بأن يتجنبوا الخجل والعزوف ويمارسوا الحياة الاجتماعية مع أبنائهم بكل أريحية.
وفي الختام تم التقاط الصور التذكارية الجماعية والخاصة لكل أسرة مشاركة مع أبنائهم.
وقد كانت هناك مجموعة من المتطوعين الذين كانوا يقومون بعمل مميز لانجاح تلك الفعالية لتعزيز الاستقلالية وتحسين نمط حياة ذوي الاحتياجات الخاصة واختلاطهم بالمجمتع.
قصة من الواقع:
قبل سنوات طويلة مضت كنت أتسوق بالجمعية التعاونية في المنطقة التي كنت أسكن بها، وعندما كنت واقفاً بجانب المحاسب لدفع القيمة المالية لمشترياتي، سمعت بكاء وصراخ أحد المشترين الصغار وكان في حدود التسع سنوات من العمر، وقد تجمع حوله بعض العاملين.
أستفسرت عن الأمر؟
فقيل لي، إن الطفل قد أخذ بعض المشتريات ولا يملك المال ونريد أن نسترجعها منه وهو يرفض ذلك؟
ولاحظت بان الطفل من أهل الهمم ويعاني من إعاقة ذهنية متوسطة.
فتكلمت معه وقلت له اتريد تلك الحاجيات؟ فقال: نعم.
فقمت على الفور بدفع المبلغ وإبعاد العاملين المتجمهرين عنه، وفجأة تغيرت ملامحه من الغضب إلى السرور، ومن الصراخ إلى الابتسامة والفرح، وقبل أن يهم بالمغادرة وضعت مبلغاً مالياً بسيطاً في جيبه وقلت له دع المبلغ معك للضرورة قد تحتاج إليه فشكرني وغادرنا.
وبعد مرور سنوات طويلة، ربما أكثر من خمس عشرة سنة، وقفت بمواقف الجمعية وهممت بالتوجه إلى السوق فتفاجأت بما رأيت!
شاهدت شاباً يافعاً يجري سريعاً ناحيتي بطريقة غير سوية، فشعرت بالقلق فوقفت في مكاني وأخذت حذري... والشاب مندفع باتجاهي وعندما اقترب مني احتضني بكل قوة ما أدى إلى سقوط العقال والغترة من على رأسي على الأرض... وكان الشاب فرحاً وهو يوجه كلامه إليّ ويقول:
عرفتني عمي؟
وأنا لا أذكره!
فقال أنا الذي دفعت ثمن حاجاتي التي أخذتها من السوق وأعطيتني مبلغاً مالياً!
لقد افتقدتك كثيراً وكنت ارتاد الجمعية مترقباً رؤيتك طوال تلك السنين!
وهنا تذكرته وكان قد أصبح شاباً يافعاً وتحولت مشاعري من الدهشة والقلق إلى مشاعر الفرح والامتنان.
بالفعل، تلك الفئة من الاذكياء وقلوبهم نظيفة وصافية، ان اختلطوا بالمجتمع فإنهم لن يشعروا بأنهم يعانون من أي إعاقة، ولذلك المطلوب العمل على الاهتمام بتلك الفئة.
وكما هو معروف بأن الأمم المتقدمة تقاس بقدر اهتمامها بأفرادها خصوصاً ذوي الاحتياجات الخاصة، لذلك الأمم تحرص كل الحرص لرعاية هذه الفئة التي تحتاج منا كل اهتمام ورعاية، فهؤلاء لهم حق علينا وفي ذمتنا.
ختاماً،
لله الحمد الكويت أولت اهتماماً كبيراً لتلك الفئة ونتمنى بتقديم المزيد من الاهتمام، خاصة في هذه النقاط التي سنذكرها:
1 - تدريب طاقم الطيران الحكومي (الخطوط الكويتية) للتعامل مع حالات ذوي الاحتياجات الخاصة (توحد -داون سندروم...) الغالبية من ذوي الاحتياجات يخافون وتنتج عنهم سلوكيات قد تكون غريبة للبعض مثل عض اليد أو الصراخ أو ضرب الكتف بالكرسي.
2 - زيادة عدد المدارس التي تهتم بدمج طلاب الاحتياجات الخاصة التي تقبل أن تختلط بالمجتمع، ورغم وجود مدارس خاصة لهذه الفئة لكنها تريد استقطاب الطلاب شبه الطبيعيين من دون أي سلوكيات سلبية وهذا شبه مستحيل، فطلاب فئة الاحتياجات الخاصة أو التوحد أو من يواجهون صعوبات التعلم أو داون سندرم يحتاجون إلى الدعم المعنوي واللفظي والسلوكي في جميع مراحل الدراسة.
وبالوقت ذاته لا نريد لهذه السلوكيات الخاطئة أن تعيق عملية التعليم (في حالة أن كان الطالب يستطيع تعلم المواد العلمية والدراسية).
3 - زيادة المرافق لذوي الاحتياجات الخاصة (أماكن ترفيهية وبأسعار رمزية أو مقبولة) حيث إنه حالياً أي نشاط يخص هذه الفئة في الكويت أسعاره باهظة الثمن وليس باستطاعة أي ولي أمر تحملها، ومن حق هذه الفئة الترفيه وممارسة النشاط الذي يناسبها بشكل يومي.
4 - تدريب معلمي المدارس الحكومية بالتعامل مع المشاكل السلوكية لهذه الفئة، ووضع خطط تربوية سليمة واستخدام وسائل تعليمية لعلاج سلوك هؤلاء الطلاب من فئة الاحتياجات الخاصة، المدارس تضج من سلوكيات غير مرغوبة واخصائية اجتماعية واحدة لا تكفي، فمن الجيد تدريب المعلمات على التصرف بحنكة أثناء ملاحظتهن وجود سلوكيات سلبية. وليكن هذا التصرف لعلاج هذه المشاكل في نهاية الحصة لكي يتم تدارك الموقف وعدم إرباك بقية الطلاب.
5 - توفير مسابح -أماكن للمشي - نوادٍ رياضية - مساحات خضراء آمنة لفئة الاحتياجات الخاصة، فالرياضة ضرورية جداً، وأحواض السباحة تكون موسمية والأماكن محدودة جداً وغير مجهزة لهذه الفئة.
6 - توفير أخصائيين للعلاج الحسي لطلاب التوحد حيث إن هذا العلاج باهظ الثمن ومكلف بشكل كبير فنرجو توفيره.
7 - أبعاد تلك المرافق عن المحسوبية والواسطة.
فكل الشكر والتقدير لكل من يقدم الجهد الكبير والعمل الإنساني الخاص لوجه المولى عز وجل دون ملل أو كلل فبمجهودكم نرتقي بأبنائنا فهنيئاً لكم هذا العمل والذي يحسب لكم في ميزان حسناتكم لمساعدة وتذليل الصعاب لأبنائنا من أصحاب الهمم.
اللهمّ احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين.