: آخر تحديث

لا يا سيادة الرئيس!

4
3
3

محمد الرميحي

بعد الأزمة المالية التي أصابت العالم في بداية هذا القرن، وبخاصة الاقتصاد الأمريكي، وهو المؤثر في اقتصادات العالم، نشر الكتاب الأمريكي من أصول هندية، فريد زكريا، كتاباً لافتاً عام 2008، وطبع الكتاب أكثر من مرة، ربما لأهمية ما جاء فيه، عنوان الكتاب «عالم ما بعد أمريكا». ويجادل الكاتب أن الأزمات التي تقع فيها الولايات المتحدة، والتي تتكرر بشكل دوري، تدل على خلل في المنظومة الاقتصادية، وأيضاً في التسيير السياسي، فهي تتأرجح في ما بعد الربع الأخير من القرن العشرين بين اقتصاد حر مطلق، وتقييد نسبي، كما تتأرجح في السياسة بين انعزال مطلق وتشبيك وتعاون مع الآخرين، خاصة الحلفاء.

البعض من الأمريكيين يرى، كما يقول الكاتب، «ألا نتعلم من التاريخ، فقط يكفي أن نقوم بنسخه»، والبعض الآخر يرى أن «علينا الابتكار حتى ولو قمنا بأخطاء فادحة».

المدرسة الأولى يمثلها في الغالب الديمقراطيون، والثانية في الغالب يمثلها الجمهوريون ولو بدرجات مختلفة. الأولى ترى أن الانخراط في العالم وإقامة التحالفات وإشاعة مبادئ إنسانية كبرى هي من بين قضايا أخرى، ما يجعل «أمريكا عظيمة»، وآخرون في أقصى اليمين يرون العكس أن أمريكا وحدها عظيمة ولا تحتاج إلى أحد، يكفي أن تقرر ما هي مصالحها والآخرون سوف يتبعونها راضين أو صاغرين. في هذا المنحى يرى زكريا أن ذلك بداية تدهور القوة الأمريكية في العالم وبروز قوى أخرى منافسة، لها قدرة اقتصادية تستطيع بها أن تتعاون مع الغير دون التدخل في شؤونهم.

فكرة تراجع القوى الأمريكية ليست جديدة على الكتابات الأمريكية، فهي قديمة ويعاد إليها عند التغييرات الجذرية التي تحدث في الداخل الأمريكي وفي العالم.

عدد من التصريحات الأخيرة للرئيس دونالد ترامب مثير. تصريحات تنقسم إلى قسمين؛ قرارات غير قابلة للتنفيذ، مثل حرمان الشخص المولود في أمريكا في الجنسية، وهذا تعديل دستوري سابق، وهو التعديل الرابع عشر للدستور الصادر في 9 يوليو 1886، أي قبل قرن ونيف، لا يمكن تغيره إلا بتعديل في الدستور، وهنا القطبة الخفية بأن الرجل يصدر قرارات (شعبوية) تسر البعض، دون تفكير حتى لدى هذا البعض في دستوريتها أو عدم القدرة على تنفيذها، ذلك مثال على بعض القرارات ربما الطائشة عن هدفها.

لكن المهم في السياسة الخارجية، فالرئيس يفتقد (الحصافة) في الغالب في تعليقاته حول القضايا الخارجية، وعدم اهتمام باللياقات الدبلوماسية، مثل قوله بضم كندا، أو حتى غرين لاند.

ما يعنينا في هذا حديثه عن «الترانسفير»، أي نقل أهل غزة إلى مصر أو الأردن، ذلك موسيقى في آذان اليمين الإسرائيلي، لكنه طامة كبرى، فهذه التصريحات تطلق ديناميكيات سياسية في المنطقة تغذي التطرف والعنف، وتصبح في يد المتشددين سلاحاً لمقاومة السلام واستتباب الأمن الإقليمي، مع رفض المعنيين في الدول التي أشار إليها أنها ستكون محطة مقبلة لأهل غزة إلى مصر، كما أن تصريحه الأخير حول أن «ملايين الدولارات صرفت لشراء واقيات في غزة» يثير بجانب الاستغراب الاشمئزاز أيضاً.

ما سوف نواجهه في المستقبل قد يكون خطيراً، ومن العقل أن نتعامل معه بحذر وحكمة أساسها التنسيق الوثيق في الإقليم العربي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد