هل يمكن أن تُصبح أرضٌ وُصفت يومًا بالقفر.. عاصمةً يفد إليها من أجل الابتكار؟ وهل يُمكن لحلمٍ في قلب الرياض أن يُلهم العالم؟ في وطنٍ لا يعرف المستحيل، كل سؤال يتحوّل إلى مشروع، وكل مشروع يتحوّل إلى مستقبل يُكتب اليوم لا بالحبر، بل بالعمل، والرؤية، والإرادة.
تنهض العاصمة الرياض لتكتب فصلًا جديدًا من فصول الطموح الوطني، عبر استضافة معرض إكسبو 2030، هذا الحدث العالمي ليس مجرد تظاهرة دولية عابرة، بل قفزة نوعية في مسار التنمية، ومنصة استراتيجية تعكس طموح المملكة في أن تكون ليس فقط جزءًا من العالم.. بل في صدارته.
تُقدّر القيمة الاقتصادية لإكسبو 2030 بأكثر من 241 مليار ريال خلال مرحلة التطوير، إلى جانب 21 مليار ريال سنويًا خلال فترة التشغيل، بحسب تقديرات صندوق الاستثمارات العامة، كما يُتوقع أن يسهم المشروع في توفير أكثر من 171 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، ما يمثل رافعة اقتصادية تعزز تمكين الكفاءات الوطنية وتحفز مشاركة القطاع الخاص في رسم ملامح المستقبل.
في شمال العاصمة، وعلى مساحة تمتد 6 ملايين متر مربع، وبجوار مطار الملك سلمان الدولي المستقبلي، تنبض الأرض استعدادًا لاستقبال أكثر من 40 مليون زيارة ميدانية، وما يزيد على مليار زيارة افتراضية. إنها ليست فعالية.. بل حكاية رقمية شاملة تعكس رؤية المملكة في تحويل المعارض إلى بوابات للمعرفة والتأثير والتواصل الإنساني.
وإيمانًا منها بأهمية الشمول والتضامن العالمي، خُصص مبلغ 353 مليون دولار لدعم مشاركة ما يقارب 100 دولة نامية، إكسبو 2030 ليس معرضًا للنخبة، بل ملتقى عالمي يُرحّب بالجميع، ويُعيد تعريف التنمية بوصفها مسؤولية جماعية.
وراء كل طوبة تُبنى في موقع المعرض، توجد فكرة. ووراء كل فكرة، توجد رؤية تحرّكها القيادة، ويمنحها المواطن الحياة.
وقد صُمم الموقع ليكون قرية خضراء مستدامة، بطاقة صفرية انبعاثات كربونية، تُغذّى بالكامل من الطاقة الشمسية، وتحتوي على شبكة نقل ذكية، وأكثر من 70 ألف غرفة فندقية جديدة. إلا أن الرؤية السعودية تتجاوز لحظة المعرض.. إذ سيتحوّل الموقع لاحقًا إلى "قرية عالمية مستدامة" تعجّ بالحياة، تضم مناطق سكنية وتجارية وثقافية وفق أعلى المعايير البيئية والاقتصادية.
في يونيو 2025، أعلن صندوق الاستثمارات العامة عن تأسيس شركة "إكسبو 2030 الرياض"، لتكون الذراع التنفيذية لتطوير وإدارة المشروع حتى أكتوبر 2030. ويتولى رئاسة الشركة المهندس طلال المري -الرئيس التنفيذي لشركة "إكسبو 2030 الرياض"، وهو إحدى الكفاءات السعودية ذات الخبرة الواسعة في أرامكو والأسواق الأوروبية، مما يعكس الثقة في الإدارة الوطنية القادرة على قيادة مشاريع بحجم عالمي.
إكسبو 2030 ليس حدثًا قائمًا بذاته، بل هو نقطة تحوّل حضارية في كيفية توظيف الفعاليات الدولية الكبرى كأدوات لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وبناء اقتصادات مستدامة متقدمة. من خلال الاستقرار التنظيمي، والبنية التحتية الذكية، والشراكة مع القطاع الخاص، والحوكمة البيئية والاجتماعية، تتحوّل الرياض إلى نموذج يُحتذى في التخطيط الحضري والتمكين الاقتصادي.
إن ما تشهده المملكة اليوم من تحوّل اقتصادي غير مسبوق، لم يكن ليتحقق لولا الرؤية الثاقبة والقيادة الحكيمة لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- مهندس رؤية 2030، الذي جعل من الاستدامة، والاستثمار النوعي، وتحفيز الإنسان، أعمدةً لمستقبل لا يتبع الآخرين... بل يقودهم.
وإذ نثمّن هذا المشروع النوعي، فإننا نرفع أسمى آيات الشكر والعرفان إلى القيادة السعودية الرشيدة على ما تقدمه من دعم وتمكين للمشروعات الوطنية الكبرى، وعلى إيمانها العميق بأن الاستثمار الحقيقي لا يكون فقط في البنية التحتية، بل في الإنسان، وفي الرؤية، وفي المكانة العالمية التي تستحقها المملكة. وها هي اليوم تبرهن للعالم أن الاقتصاد السعودي الجديد يُبنى على الابتكار، ويتغذى من الثقة، ويُصدّر الاستدامة كشريك حضاري في صياغة المستقبل.
ينتهي المعرض بعد ستة أشهر، لكن أثره لن ينتهي. لأن ما يُبنى على الإيمان، يستمر.. وما يُزرع في أرض الرؤية، يُثمر.
وهكذا، يتحوّل إكسبو 2030 من معرض دولي إلى محطة حضارية مفصلية في تاريخ المملكة، بوابة تُفتح على العالم، لا للعرض فقط، بل للمشاركة في صناعة الغد. من الرياض تبدأ الحكاية، وفي العالم تُروى.