محمد الرميحي
تدق في الأفق طبول حرب كبرى، بعد السلام الطويل نسبياً بين القوى المؤثرة بعد الحرب العالمية الثانية التي ورثت النظام العالمي القديم.
واستمر الحال حتى اختفاء الاتحاد السوفييتي، فأصبح العالم ذا قطبية واحدة لفترة قصيرة، وسريعاً استعادت روسيا زخمها ورغبتها في إعادة ممتلكات الاتحاد السوفييتي القديمة.
منذ بداية هذا القرن بدأ الحديث عن توسع الاتحاد الروسي، وعن تقليص المظلة الأمريكية العسكرية عن أوروبا.
الأسبوع الماضي في لاهاي، اتخذ القرار الأوروبي (عدا إسبانيا)، وبالإشراف الأمريكي، على أن تخصص هذه الدول 5% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى النشاط العسكري، ووضع سقف زمني لتحقيق ذاك الهدف وهو 2035، بهذا القرار هناك اعتراف ضمني بأن حرباً كبرى يمكن أن تحدث، وتشير التصريحات الغربية علناً إلى التهديد الروسي لأوروبا في ضوء الحرب الأوكرانية المشتعلة.
المجتمع الغربي يرى أن هناك تهديداً عسكرياً روسياً، بدأ يتضح منذ سنوات، ولكنه أفصح عن نفسه في الحرب الأوكرانية، وفي محاولة التوسع في مناطق مختلفة مما يعرف بأوروبا الشرقية، كما أن هناك تهديداً تقنياً من الصين، يمكن أن يهدد الاقتصاد الغربي، هذه الفكرة العامة تتشارك فيها، وإن بمستويات مختلفة، الولايات المتحدة مع عدد من دول أوروبا الغربية.
الشهر القادم وفي اجتماع واشنطن لدول حلف الأطلسي سوف تتوج هذه القرارات بوضع تفاصيل خطط التسليح، بمناسبة مرور 75 عاماً على إنشاء الحلف، بل أعلنت بريطانيا نيتها شراء طائرات حربية متطورة تستطيع أن تحمل قنابل نووية تكتيكية! وليس بريطانيا وحدها، ولكن فرنسا وألمانيا وحتى إيطاليا.
هذه القرارات، أي رفع ميزانيات التسلح في أوروبا، التي أتت بضغط من الولايات المتحدة، تركت لها تفاعلات في المجتمعات الأوروبية، ملخصها التحول من دولة الرعاية إلى اقتصاد الحرب، أو كما يشار بالإنجليزية (from welfare to warfare) مما أطلق حواراً سياسياً واجتماعياً صاخباً في معظم العواصم الغربية، حيث إن هذا التحول، سوف يسبب ضخ المال من النشاطات الاجتماعية، كالصرف على الصحة والتعليم، والرعاية الاجتماعية، وإعانة المتقاعدين وأهل الحاجات الخاصة، إلى الميزانيات العسكرية، وربما أيضاً زيادة الضرائب، ذلك ما يسبب ضغطاً على الحكومات من شارعها، والذي بعضه يرى أن التهديد الخارجي مبالغ فيه، ما قد يسبب شروخاً في الجسم السياسي الداخلي لهذه البلدان، مع نتائج سلبية على الهجرة وحرية التجارة وحرية الانتقال.
لعل المسرح الأوروبي ينبهنا في هذا الإقليم للتحوط والتحفز، فإن كانت الولايات المتحدة قد هددت بسحب المظلة الأمنية عن أقرب حلفائها، فإن الأمن في هذه المنطقة قد يهدد، دون وجود ظهير دولي، من هنا وجوب وضع الخطط الجمعية للنظر في سيناريوهات محتملة لمواجهة الإخلال بالأمن، والذي كاد تصلنا شروره في الأيام الأخيرة لما عرف بحرب الاثني عشر يوماً بين إسرائيل وإيران.