: آخر تحديث

السلام كالحرب.. معركة

5
3
5

قال أنيس منصور يوماً: إن السلام كالحرب، معركة لها جيوش وحشود وخطط وأهداف، والثقة بالنفس معركة ضد مضاعفات الهزيمة.

قَصَفَ الكيان الصهيوني إيران، فردت بقصف القاعدة الأمريكية في قطر، ثم خرج ترامب، وقبل أن يهدأ دخان القصف، ليُعلّق بأن السلام قد حل، وأن المعركة قد انتهت، وأن الأطراف المُتَحارِبَة قد اتفقت، أعلن عن كل ذلك في دقائق ومباشرة بعد قصف قاعدة العديد في قطر.

كانت ردود أفعال الناس متفاوتة، وإن كان أغلبهم قد شَبّهَ ما حدث بالمسرحية المُعدّة مسبقاً، وقد يكون ذلك بسبب المتابعة الحية وعلى الهواء مباشرة للأحداث بتفاصيلها، كما قد يكون بسبب ما اصبح يعتري الناس من شكوك دائمة في نوايا الساسة والسياسيين والعسكريين وكل العاملين في هذه المجالات، وبحيث كان أغلبهم يلجأ إلى قنوات أخرى لفهم وتفسير ما حدث وبشكل مختلف.

اشتهر الرومان كثيراً بمقولة أن السلام لا يتحقّق إلا بالقوة، وقد توارث هذا المفهوم زعماء وقادة في العالم منهم الرئيس الأسبق ريغان، الذي قال يوماً: «نحن نعلم أن السلام هو الشرط الذي بموجبه تزدهر البشرية، ولكن السلام لا يوجد بمحض إرادته، إنه يعتمد علينا وعلى شجاعتنا في بنائه وتحصينه ونقله إلى الأجيال القادمة، وأن نكون على استعداد للحرب هو إحدى أكثر الوسائل فاعلية لحفظ السلام». انتهى.

في الجولة الأخيرة التي شهدها الشرق الأوسط، بات من الواضح من الذي يملك قرار الحرب والسلام، فالعرب أصبحوا خارج المعادلة واللعبة هنا، لا دور لهم في حرب ولا في سلام، وباستثناء المقاومة في غزة ولبنان واليمن، فإن ظلال الهزيمة والانكسار يخيّمان وبشكل كامل على المناخ السائد في العالم العربي.

وعلى الرغم من الانتقاد الواسع الذي واجهه مفهوم تحقيق السلام باستخدام القوة، فإنه قد اثبت فاعليته في الجولة الأخيرة بين إيران والكيان الصهيوني، حيث شكّل عامل الردع لدى الجهتين فرصة هدوء وهدنة للإثنين، حتى وإن كانت فرصة مرحلية أو وقتية.

غالباً ما تنتهي الحروب دون أن يعم السلام بمعناه الحقيقي، فقد تشهد الحرب نهاية بانتصار طرف على الآخر وهزيمته عسكرياً وربما اقتصادياً، وقد تنتهي حين يُدرك أحد الأطراف أنه غير قادر على المواجهة وبالتالي يستسلم، وفي كلتا الحالتين لا تؤمّن نهاية الحرب هنا سلاماً، ولنا في الحربين الأولى والثانية خير دليل، فالحرب الأولى التي أفرزت مؤتمر فرساي، الذي رأى فيه الألمان حينها ظلماً لهم، أخرجت في النهاية المانيا هتلر، والتي قادت العالم الى حرب عالمية ثانية كانت أكثر دماراً من الأولى.

مشكلة العرب الدائمة أنهم يتعاملون بعاطفة مع الأحداث السياسية والحروب، ولا نستثني هنا الحرب الدائرة منذ ما يقارب العامين، حيث هيمنت العواطف والنزعات العرقية والطائفية على أغلب المواقف والتحليلات السياسية في العالم العربي، وبحيث سقطت منا كل الأوراق التفاوضية المُحتَمَلَة أو المُمكِنة فأصبحنا بلا صوت.

في روايته وداعاً للسلاح، يصف أرنست همنغواي الحرب بأنها تجربة عبثية، لا يمكن أن تُنتِج أي نصر حقيقي، ونحن اليوم قد لا نطمح لنصر، في ظل شعور الهزيمة الملازم لنا كعرب، وإنما نتمنى أن يكون لنا دور وأن نصبح لاعبين وليس متفرجين فقط، في حين يرسم الآخرون مستقبلنا وقدرنا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد