بعد انتقالنا للعيش في بريطانيا، وعلى الرغم من اختلاف كامل ثقافة أبنائنا عن محيطهم الجديد، فإنهم أبلوا بلاء حسناً، وحققوا درجات جيدة، بالرغم من البيئة شبه العدائية، التي وجدوا أنفسهم فيها، وربما يعود الفضل في تميزهم، غالباً، إلى ما سبق أن تلقوه من تأسيس تربوي وتعليمي مميز في «البيان»، التي كانت، وربما لا تزال مع شقيقاتها، البريطانية والأمريكية، أفضل من يوفّر تعليماً ثرياً في الكويت، علماً بأن مدرسة «سانت هيلدا»، التي التحقوا بها، وهذا ما عرفناه تالياً، كانت مميزة ومخصصة لأبناء الطبقة المتوسطة والثرية من اليهود!
ما ينطبق على التعليم ينطبق على كل نشاط تقريباً، حيث نرى أن ما بإمكان القطاع الخاص تحقيقه بدرجة عالية من الإتقان، لا يمكن للجهاز الحكومي القيام به بالكفاءة نفسها، لذا نرى أن أكثر الأنشطة تقدماً، وأكثرها تعقيداً في أمريكا، مثلاً، كمشاريع وبرامج غزو الفضاء، وإرسال الصواريخ الحاملة للأقمار الاصطناعية، وغيرها، تقوم الوكالة الحكومية «ناسا» بتلزيمها شركات مقاولات خاصةً، فتحصل دائماً على أفضل النتائج، بتكلفة أقل مما لو قامت هي بالمهمة، فالدولة مقاول وتاجر فاشل.
ما نود قوله هنا إن التعليم الخاص، وبالذات المميز منه، أثبت، على مدى أكثر من نصف قرن، أن مخرجاته أفضل بمراحل من مخرجات المدارس الحكومية، وكانت الجامعات الأمريكية، ومنها جامعة «برنستون»، وهذا ما حصل مع أحد أبنائي، تقوم بإرسال من يجري المقابلات مع الراغبين في الالتحاق بها، وتلتقط خريجي الثانويات الخاصة المميزين، من دون تردد ولا اختبارات مسبقة، والاكتفاء بالمقابلة الشخصية، فقط! وبالتالي فإن مقترحاً لبعض الخبراء يرى أن تطوير التعليم يتطلب ضرورة السير في خطين متوازيين: الاستمرار في تنفيذ خطة وزير التربية، المتمثلة في تطوير المنهج، ورفع مستوى المعلّم، وتخليص التعليم من الحزبية، والقيام، إضافة إلى ذلك، بالاستعانة بالمدارس الثانوية الخاصة، المميزة، من خلال التعاقد مع إدارتها، على تسليمها مباني المدارس الحكومية الخالية في المناطق السكنية، مقابل إيجارات معقولة، واستخدام العائد في تمويل جزء كبير من رسوم هذه المدارس لغير القادرين على دفعها، علماً بأن مباني هذه المدارس الحكومية أصبحت مهجورة، بعد أن توقف أهالي المنطقة عن إلحاق أبنائهم بها، مفضلين المدارس الخاصة لأبنائهم، والبعيدة عن سكنهم.
إن تحقق ذلك، فسنجني التالي:
1. التخفيف بشكل كبير من فوضى المرور في مناطق «المدارس الخاصة»، في حولي والجابرية وسلوى وغيرها.
2. توفير تعليم مميز لنسبة أكبر من الطلبة، الذين لا تستطيع أسرهم حالياً تحمّل نفقات تدريسهم في المدارس الخاصة.
3. وجود مدارس خاصة في مناطق السكن النموذجية، سيؤدي لإعادة توزيع «ضغوط ساعات الذروة» على مساحة جغرافية أكبر، ويريح الأهالي من مشاق التوصيل الحالية.
4. إعادة تشغيل عشرات المباني الخالية في المناطق السكنية.
5. تخفيف الضغط على المدارس الخاصة الحالية، والشيء نفسه على المدارس الحكومية، حيث ستبقى نسبة كبيرة من المواطنين يفضلونها على التعليم الخاص. وهذا سيتيح للوزارة الإبقاء على الكفاءات التعليمية والتخلّص من غير المرغوب فيهم من معلمين وإداريين.
والأهم من كل ذلك، توفير تعليم مميز لأكبر عدد من الطلبة.
* * *
هذه ليست أفكار جديدة، بل هي خلاصة، أو تكملة لدراسات سبق أن نوقشت في أكثر من مجلس تخطيط، لكن عجز، أو عدم رغبة وزراء التربية في تحمّل مسؤوليات جديدة، جعلت من هذا المقترح المميز عبئاً لم يكن أحد منهم راضيا بتحمّله، وهكذا بقي هذا المقترح العملي حبيس الأدراج لسنوات طويلة، فهل ينتشله سمو الرئيس ونائبه، وينفخان فيه الحياة؟
أحمد الصراف