أروي لكم هذه الحكاية الشخصية، ثم أُتبعها بخبرٍ صحافي.
الحكاية الشخصية هي أنني كنتُ أرتاد مكتبة نوعية من مكتبات العاصمة السعودية، الرياض، بعدما اتصل بي صديقي السوداني الجميل، مدير المكتبة، ليخبرني بجديد الإصدارات، وبينما أنا جالسٌ أمام مكتب مدير المكتبة، إذا برجلٍ يبدو في أواخر الأربعينات من عمره، بزي سعودي أنيق، و«شماغٍ» مُعتنى بحدوده وكيّه، وقلم فاخر في الجيب الأمامي، ولحية مُدبّبة سوداء (سكسوكة)، وعلى عجلٍ وهو واقفٌ بباب المكتبة سأل الموظّف السوداني عن بعض الكتب التي تشتمل على الأشعار الشعبية والقصص المحلّية في الجزيرة العربية، فلم يجد بُغيته، وهو يقرأ من قائمة على شاشة هاتفه.
شدّني الحوار والمشهد، فأشرتُ عليه ببعض الكتب التي تنطوي على القصص والأشعار من الجزيرة العربية، مثل كتاب «من آدابنا الشعبية» للمرحوم الشيخ منديل الفهيد، وبعدما لاحظتُ أنّه لا علم له بهذا الشأن، سألته عن سبب اهتمامه الطارئ هذا!
فقال بلهجته العفوية المباشرة: «أنا أريد أن أكون صانع محتوى» ثم مضى لسبيله...
هذه الحكاية الشخصية، أما الخبر الصحافي فهو هذا:
ستيفن بارتليت حسبما قرأتُ، واحدٌ من نجوم السوشيال ميديا و«صُنّاع المحتوى»، فهو حسب هذه المعلومات يُقدّم ثاني أكبر «بودكاست» على منصّة «يوتيوب»، ويتابعه أكثر من عشرة ملايين مشترك.
الرجل يجني الملايين من «محتواه» على «يوتيوب»، وقد وجّه هذا الصانع انتقادات حادّة لمنصة «يوتيوب» بسبب استغلالها لمحتوى المبدعين في تدريب برامج الذكاء الاصطناعي دون دفع أي مقابل مالي.
بارتليت وهو أحد أشهر مقدمي «البودكاست» على «يوتيوب» حذّر شركة «غوغل» (المالكة ليوتيوب) من أنها تُخاطر بـ«تفريغ» المنصة من جوهرها إذا فقدت ثقة المبدعين أمثاله.
كما أوضح بارتليت أنه لم يكن يعلم أن محتوى المبدعين يُستخدم من قِبَل «يوتيوب» لهذا الغرض إلا بعد أن تواصلت معه صحيفة «ذا تايمز» الأميركية.
ردّت المنصة الشهيرة: «نستخدمُ المحتوى الذي يُرفع على (يوتيوب) لتحسين تجربة المنتج في تطبيقات تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي».
بارتليت طالب بـ«حوار بنّاء يضمن قيمة عادلة للمبدعين ومالكي المحتوى، مع الاستمرار في السماح لـ(يوتيوب) وغيرها من المنصات بالابتكار»، وفق ما نقلته صحيفة «ذا تايمز».
هذا المثال المُغري، لجهة جني الأموال، لدرجة أنّ الرجل يُهدّد منصة «يوتيوب» بعدم استخدام محتواه في برامجها للذكاء الاصطناعي، وهذا بحثٌ آخر، هو الذي جعل الملايين يفعلون الأفاعيل، و«يتشقلبون» لو استدعى الأمر، للوصول إلى عالم الملايين والشهرة، والمنصّات التي تحتضن هذا المحتوى تقول: هل من مزيد؟!
فلمَ لا يكون صاحبنا، صاحب «السكسوكة» مثل الأخ ستيفن بارتليت، أو لأنه فقط «خواجة» فكل شيء مقبول منه؟!