السياسة الناجحة لأي بلد هي التي تُحقق الاستقرار، لأن الاستقرار السياسي لأي بلد هو الشرط الأساسي الأول لازدهار الاقتصاد، ولكن إقليمنا وُفِّقَ بسياسيين هوايتهم المغامرة بمقدرات أوطانهم رغم ضعف الإمكانات، لتُصنف هذه الدول سياسياً بـ«الدول الضعيفة غير القانعة»؛ هذه الدول رغم ضعفها مقارنة بمقدرات الدول الكبرى، سواء من حيث النفوذ أو من حيث القوة العسكرية، تسعى لتمديد رقعتها على حساب جيرانها، غير عابئة بعدم مواءمة الظرف التاريخي، وكذلك عدم تقديرها قوتها العسكرية الحقيقية.
ولنأخذ مثالين؛ المثال الأول ليبيا زمن معمر القذافي، الذي رأى نفسه زعيماً أممياً، رغم أن شعبه لم يتجاوز مليوني نسمة بداية الثورة، ليدخل في نزاعات لا طائل منها، سواء في تشاد أو في السودان، أو بدعوته للوحدة مع عدة أقطار عربية، تبدأ بالود وتنتهي بالخلاف، ليُضيّع مقدرات ليبيا لمدة أربعين عاماً، في مغامرات سياسية لا طائل منها، بل إن بعضها مضحك، مثل عرضه على مصر الوحدة، على أن يكون الرئيس للقطرين السادات، فيما يحتل القذافي منصب وزير الدفاع!
وهو بهذا التخطيط المُضحك والساذج يريد الانقلاب على السادات بحكم سيطرته على الجيش، ناسياً أنه يتعامل مع واحد من دهاة الساسة!
المُهم، أن القذافي أضاع مقدرات شعبه بغبائه وبسوء تقديراته السياسية على مغامرات غير محسوبة؛ هذه المغامرات أدّت إلى إفقار شعبه الذي صبر عليه، حتى أتت الفرصة بمساعدة التدخل الأجنبي ليقف الشعب مع الأجنبي للتخلُّص من حكم القذافي الذي أذاقهم الأمرين، مرارة وجود النفط، ومرارة عدم الاستفادة منه، ولو انتبه الحاكم المستبد لشعبه وحقق الرفاه له لوقف الشعب في صفه ولم يخلعه.
هذه نتيجة السياسات الخرقاء للقذافي التي أدّت لكراهية الشعب له، والتخلُّص منه في أول فرصة سانحة، ناهيك بمحاولات الانقلاب عليه التي فشلت، والتي تدل على كراهية شعبه له لأنه جعلهم في حالة عوز، سواء كان ذلك بفعل السياسة الخارجية أو الداخلية التي نموذجها البيت لساكنه، لتخلق تذمراً شعبياً أدّى إلى الابتهاج بقتله، ولو أحسن القذافي لشعبه وخلق حالة من الرفاه له لوقف الشعب معه.
نأتي للمثال الثاني، وهو النموذج الإيراني، فبعد ثورة 1979 رفع حكام طهران شعار تصدير الثورة، وغضت الدول الكبرى الطرف عن هذا الشعار، حتى خاضت إيران حرباً ضروساً مع العراق دامت ثماني سنوات، وحتى مع الاتفاق على قرار وقف النار صرح مرشدهم بأنه يتجرّع قرار وقف النار كالسم!
لتبدأ بعد ذلك مغامرات أُخرى يبدو أنها منسقة مع الدول الكبرى، ومتفقة مع رغبة إيران في التوسع، لتُحرك الأقليات ضد حكوماتها، طبعاً هذا لا يأتي إلا من خلال المال الإيراني الداعم لهذه الميليشيات على حساب رفاهية الشعوب الإيرانية، لتُسيطر مفتخرة على أربع عواصم عربية، ولتُحاول التمرد على الدول الكبرى التي جعلت إيران تستنزف طاقاتها، وبعد ذلك خلعت هذه القوى بشار سوريا، وقضت على كثير من سلاح «حزب الله»، أما قاصمة الظهر فهي الهجوم الإسرائيلي - الأميركي الأخير على إيران، لتفقد إيران كل مكاسبها في 46 عاماً، مستنزفة كل مقدراتها في مغامرات سياسية غير محسوبة.
في كلا المثالين يتّضح عدم النضج السياسي لدى ساستهم، وعدم تقديرهم حجمهم الحقيقي، ما أدّى لإهدار مقدرات شعوبهم على هذه المغامرات الخاسرة بدلاً من توجيهها للداخل، عبر تحسين وضعهم الاقتصادي الذي سيؤدي إلى رفاهية الشعوب ورضاها عن حكامها.
أعتقد أنه يجب على دول المنطقة دراسة وتحليل هذا السلوك ونتائجه لتجنب عواقبه الوخيمة. ودمتم.