: آخر تحديث

بريطانيا... ستارمر في وجه العواصف

6
6
5

الزعيم البريطاني السير كير ستارمر غيّر سياسته المعلنة مرة أخرى أول من أمس، لكسب ثقة نواب حزبه الحاكم وليس ثقة البرلمان، خشية أن يخسر تصويتاً على مشروع قانون معدل للرعاية والضمانات الاجتماعية بعد غد (الثلاثاء)، رغم أن لحكومته أغلبية 156 مقعداً تمكنه من تمرير أي قرار.

السبب أن ما بين 120 و150 من نوابه ضموا أسماءهم لإضافة تعديلات على مشروع القانون، أو يهددون بالتصويت لمنعه من التطبيق، لأنه بشكله الحالي يسقط حق تلقي إعانة الضمان الاجتماعي عن كثيرين، خصوصاً المعوقين، ويرونه معرقلاً لمنتفعين به من العودة للالتحاق ببعض الأعمال والوظائف.

ستارمر ووزيرة ماليته راتشيل ريفز، وهما أقل وزراء الحكومة شعبية وستارمر صاحب الرقم القياسي في فقدان الشعبية قبل أن يكمل عاماً في الحكم، يجادلان بأن تعديل برنامج الرعاية الاجتماعية سيوفر خمسة مليارات جنيه من الميزانية، وهو ما يرفضه أكثر من 150 متمرداً من نوابه. فالبرنامج بشكله الحالي يكلف الميزانية 64 مليار جنيه، ومتوقع أن ترتفع خلال خمسة أعوام إلى 106 مليارات جنيه. قبل عطلة نهاية الأسبوع، قدم مديرو حزب الحكومة (يعرفون تاريخياً في البرلمان بـ«الكرابيج» بسبب صرامة تعاملهم مع الأعضاء) تنازلات باستثناءات مؤقتة ممن سيشملهم استقطاع الإعانات تكلف الخزانة مليونين من الجنيهات. ومع توفير تراجع إلى ثلاثة مليارات جنيه، أصبح ستارمر هدفاً لانتقادات وسخرية الصحافة ومونولوجيست العروض الكوميدية مستعملين صفة «المتقلب» التي اكتسبها وهو لا يزال زعيماً للمعارضة، بسبب تغيير مواقفه إلى عكسها غالباً بحثاً عن الشعبية. فتغير سياسة صرح سابقاً بأنها ثابتة لن تتغير، هو الثالث في غضون بضعة أسابيع (الأولى التراجع عن استقطاع إعانة الوقود من المتقاعدين، والثانية القبول بإجراء تحقيق قضائي في تقصير الحكومات المحلية والبوليس في حماية القاصرات من عصابات الاستغلال في عشرات من مدن البلاد)، تجعله يبدو زعيماً غير قادر على التمسك بسياسة محددة يقنع بها الشعب. واستجابته متراجعاً لضغوط من أعضاء حزبه بدلاً من الإمساك بحزم بزمام الأمور تجعله يبدو ضعيفاً أمام رأي عام يقارن زعماءه بأشهر القادة الأقوياء في تاريخ البلاد، كالسير ونستون تشرشل، والسيدة الحديدية مارغريت ثاتشر. زعيم الحزب عادة ما يتعامل بحزم مع أعضاء يشقون عصا الطاعة بتجميد عضويتهم، أو فصلهم من الحزب، لكن حجم التمرد هذا الأسبوع قيد أيدي «كرابيج» الحزب عن فرض الانضباط، بجانب أن موقف المتمردين أقرب لآيديولوجيا ورغبات قسم كبير من قواعد الحزب خصوصاً التيار اليساري. فما الذي جعل ستارمر يجازف بسياسات يمينية انتهت بانقلابه لإرضاء اليسار؟

الإجابة في عبارة واحدة: صعود حزب الإصلاح اليميني بزعامة الشعبوي نايجل فاراج.

آخر استطلاعات الرأي يشير إلى فوز حزب الإصلاح بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية (271) إذا أجريت الانتخابات العامة، مقابل 178 من المقاعد لحزب الحكومة العمالي، بينما يصبح الديمقراطيون الأحرار الحزب الثالث 81 مقعداً، ويتناقص نصيب المحافظين إلى 46. «الإصلاح» ينتهج سياسات على يمين المحافظين، في موازنة عجز الخزانة، والأهم في التعامل مع زيادة الهجرة خصوصاً غير الشرعية، وهو ما فشلت فيه حكومات العمال والمحافظين المتعاقبة.

في استطلاع للرأي هذا الأسبوع، اتضح أن ازدياد أعداد المهاجرين هو الهاجس الأول للناخبين، (83 في المائة) وكانت الأعلى بين ناخبي الإصلاح، وأقل بين ناخبي المحافظين والعمال، لكنها لا تزال الهم الأول للناخب (89 في المائة من ناخبي المحافظين، و85 في المائة من الإصلاح، و79 في المائة من العمال، و72 في المائة من الخضر اليساريين يريدون ترحيلاً إجبارياً للمجرمين الأجانب على نمط سياسة الرئيس دونالد ترمب في أميركا).

لكن بعض سياسات الإصلاح تبدو اشتراكية، أو مشابهة لسياسات الاتحادات العمالية التي تشكل دعامة للعمال، مثل تأميم المواصلات العامة، وصناعة الصلب، والعودة لاستخراج البترول والغاز من بحر الشمال. ففاراج بوصفه زعيماً لحزب جديد بلا آيديولوجيا محددة، يتمتع بميزة طرح سياسات من اليمين واليسار مفصلة على مزاج الناخب، وهو ما لا تقدر عليه الأحزاب التقليدية بسياسات تعود إلى تاريخ تأسيسها. وستارمر يجد نفسه في موقف لا يحسد عليه في حيرته بين استمالة أصوات اليسار، أو مغازلة اليمين، فيبدو متقلباً مما ينقص من شعبيته.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد