خالد بن حمد المالك
يُتهم رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو بالفساد، ويخضع من حين لآخر لجلسات استجواب في المحكمة الإسرائيلية المختصة، وتمر المحاكمة في مرحلتها الأخيرة، ويبدو أن إدانته قاب قوسين أو أدنى، فكل التهم الموجهة لم يظهر لدى المحكمة ما ينفيها، أو يبررها، أو ما يبرؤه منها، وهذا ما جعله يواصل حرب غزة، ويرفض كل العروض لإيقافها، حتى والرهائن لدى حماس معرضون للموت، بهدف تأخير وصول المحكمة إلى قرار يدينه، وتالياً الحكم عليه بثبوت فساده.
* *
وليس هناك من أزعجه الحكم المنتظر بحق نتنياهو كما هو الرئيس الأمريكي ترامب، فكما حماه بتعطيل مذكرة اعتقال ضده صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بعد إدانته بأنه قاد حرباً إبادية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، برفضه الحكم، واعتبار صدور المذكرة مُسيَّساً، وكأنه لم يكن، فإنه لم يكتف بذلك، بل أسرع بإصدار عقوبات بحق القضاة في سابقة تاريخية ظهر فيها الرئيس الأمريكي وكأنه في موقف معاد للعدل.
* *
وكما فعل ذلك مع المحكمة الجنائية الدولية، ها هو يأخذ نفس الاتجاه مع ما هو متوقع أن يُحكم على نتنياهو في محكمة إسرائيلية، في موقف جديد منحاز ضد القانون، والقضاء، والعدالة، والحماية من الفساد والرشوة في المجتمع الإسرائيلي، حماية لرئيس وزراء البلاد، مع ما يمثِّله فعله وسلوكه من إخلال بالأمانة والنزاهة، وقيامه بالإثراء غير المشروع.
* *
يقول الرئيس الأمريكي: لقد أنقذت أمريكا إسرائيل، وأنها الآن سوف تنقذ نتنياهو من المحكمة الإسرائيلية، مبدياً استياءه من محاكمته في بلاده، مطالباً بإلغاء هذه المحاكمة، بوصفها حملة سخيفة ضد من قاد بلاده في واحدة من أعظم لحظاتها في التاريخ وفي زمن الحرب العظمى، فقد كان على حد قوله محارباً لا يشبهه أي محارب آخر في تاريخ إسرائيل، قاتل بشجاعة وكفاءة بما لا مثيل له من أجل بقاء إسرائيل، بينما الواقع خلاف ما قاله الرئيس الأمريكي أن نتنياهو يُمكن وصفه على أنه واحد من أشهر الإرهابيين والقتلة والجلادين في التاريخ، والدليل ما فعله في قطاع غزة.
* *
لقد انزعج الرئيس ترامب حين تجدّد استدعاء (بيبي) نتنياهو إلى المحكمة لمواصلة هذه القضية طويلة الأمد، معتبراً إياها بأنها ذات دوافع سياسية، تتعلق بالسيجار، وغيرها من التهم غير العادلة على حد وصفه من أجل إلحاق الضرر الكبير برجل أعطى الكثير لبلاده، ويستحق أفضل من هذا الذي يحدث لبطل عظيم فعل الكثير من أجل إسرائيل كما هو قول الرئيس ترامب، ولكنه فعل ذلك بحرب إبادة ضد شعب يطالب بحقوقه، وخدم إسرائيل بحرمان الفلسطينيين من إقامة دولتهم على أراضيهم، ومارس الإرهاب والعنصرية واعتدى على حقوق الإنسان بحق الفلسطينيين، وهو في هذا بطل إرهابي بامتياز، متفوّقاً على كل الإرهابيين على امتداد التاريخ.
* *
إن قناعة الرئيس الأمريكي بـ(بيبي) بوصفه البطل العظيم الذي لا مثيل له في التاريخ، لا يُلغي الرأي الآخر بأنه مجرم وقاتل، وأن عليه المثول لقرار المحكمة الجنائية الدولية ليدافع عن نفسه، ويدفع بالتهم المدان بها، وأمام المحكمة الإسرائيلية لإثبات براءته من التهم المنسوبة إليه، لا أن تكون التبرئة عاطفية كما فعل الرئيس ترامب.
* *
على أن المعوّل على الرئيس الأمريكي وله بعض مواقف جسورة، وقرارات حازمة، ويمثِّل أكبر قوة في العالم، أن يعيد قراءة شخصية نتنياهو، ويتعرّف أكثر على سلوكه، وما يمثِّله من جرائم، سواء بحق إسرائيل، أو بحق الفلسطينيين والدول المجاورة، لأن هذه المنطقة المهمة تحتاج إلى من يدافع عن أمنها واستقرارها، لا أن يكون الهم الأمريكي ضمان أمن إسرائيل وقادتها فقط، وغيرهم لا بأس أن يجرفهم الطوفان.