الحديث عن مستويات الجودة في مختلف الجهات يقودنا إلى واحدة من أبرز الأدوات التي أسهمت في تعزيز هذا المفهوم وترسيخه في بيئة العمل الإداري، وهي جائزة الملك عبدالعزيز للجودة، التي أصبحت تمثّل اليوم مرجعاً وطنياً في قياس التميز المؤسسي، ومحركاً فعّالاً نحو تحسين الأداء، ورفع كفاءة الخدمات، وبناء ثقافة مهنية قائمة على المعايير والنتائج.
الحراك الذي أحدثته الجائزة يظهر بشكل واضح في تزايد اهتمام الجهات بتبني منهجيات التطوير، وتحويل الخطط الاستراتيجية إلى ممارسات عملية، مما يعكس أثراً عميقاً للجائزة على أداء الجهات، ويعزز قناعة متنامية بأن السعي نحو نيلها هو واحد من أهم الأهداف، بل ربما ضرورة لتأسيس بيئة عمل قادرة على الإنجاز، وتحقيق قيمة حقيقية على المدى البعيد.
ومن المعروف أن الجائزة هدفها تحفيز جميع القطاعات لتطبيق أسس التميّز من أجل رفع مستوى جودة الأداء وتفعيل التحسين المستمر لعملياتها الداخلية وتحقيق رضا المستفيدين، وتكريم أفضل المنشآت ذات الأداء المتميز التي تحقق أعلى مستويات الجودة بحصولها على التقدير اللائق على المستوى الوطني لما حققته من إنجازات وبلوغها مرتبة متميزة بين أفضل المنشآت المحلية، ويشمل ذلك خضوع المنشآت لعملية تقييم دقيقة تعتمد على معايير واضحة ترتبط بالنموذج الوطني الموحد للتميّز المؤسسي، وتُنفذ من خلال فرق متخصصة من المقيّمين المعتمدين، بحيث تحصل كل منشأة على تقرير تعقيبي شامل يحدد مكامن القوة ويقترح فرصاً واقعية للتحسين تسهم في تعزيز النمو ورفع الكفاءة والاستفادة من الموارد بشكل أفضل، وهذا التقييم لا يتعلق فقط بقياس الأداء الحالي، إنما يمنح للجهة خريطة طريق واضحة تمكّنها من بناء بيئة عمل أكثر انضباطاً، وتطوير عملياتها التشغيلية، وتحسين تجربتها مع المستفيدين، ما يعزز موقعها المؤسسي ويرفع من تنافسيتها على المستويين المحلي والإقليمي.
الواقع الإيجابي الذي نراه حالياً يتمثل في تنافس الجهات على نيل الجائزة من خلال تبني نماذج العمل المؤسسي القائمة على الجودة، وتكثيف جهودها في بناء أنظمة داخلية دقيقة، وتطوير فرقها التنفيذية، وتحسين جودة الخدمات التي تقدمها، وهذا التنافس بلا شك له انعكاس على طريقة التفكير الإداري، فبدأت الجهات بوضع خطط واضحة تستند إلى معايير قابلة للقياس، وتحولت مؤشرات الأداء إلى أداة حقيقية لتوجيه القرار وتصحيح المسار، فضلاً عن التوجه في بناء القدرات البشرية، ورفع كفاءة الموظفين، وتوثيق العمليات بشكل منهجي يضمن الاستدامة.
أرى أن على القادة في القطاعات وضع الجائزة مؤشراً على الكفاءة التنظيمية، وفعالية الأداء، لما تملكه من دقة في التقييم، وعمق في التحليل، وارتباط مباشر بنتائج العمل وواقعه التنفيذي.